يلوح دور الصين المتعاظم في إفريقيا في الأفق، حيث أصبحت هذه القارة ساحة اختبار مركزية لأكبر اقتصادين في العالم في تنافسهما على النفوذ الاقتصادي والجيوسياسي. ويعترف كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية بأن العامل الرئيس في زيارة الرئيس الكيني وليام روتو لأميركا، يتمثل في رغبة الإدارة الأميركية في مواجهة نفوذ الصين المالي والاقتصادي في القارة الإفريقية، حيث تفوقت الصين على الولايات المتحدة في الاستثمار المباشر.
ولعقود من الزمن، ظلت الصين تقدم قروضاً بفائدة عالية للدول الإفريقية ذات الدخل المنخفض، لمساعدتها على تمويل تنمية المشروعات المحلية، بما في ذلك بعض مشروعات البنية التحتية الرئيسة، ضمن مبادرة الحزام والطريق الصينية. ومن بين تلك المشروعات: خط السكك الحديدية فائق السرعة من نيروبي إلى مومباسا، الذي مولته الحكومة الكينية بقروض بالمليارات من بنوك الصين.
ديون باهظة
ومن عام 2000 إلى عام 2022، أقرضت بكين 170 مليار دولار للدول الإفريقية، بما في ذلك 6.7 مليارات دولار لكينيا، لتمويل هذه المبادرات، وفقاً لقاعدة بيانات القروض الصينية لإفريقيا بجامعة بوسطن. ولقد أثقلت تلك القروض إفريقيا بالديون الباهظة الثمن التي عجزت البلدان على نحو متزايد عن سدادها، ما دفع العديد من الدول إلى طلب الإغاثة من مقرضيها السياديين.
والآن تواجه البلدان الإفريقية خيار خدمة ديونها وتعزيز تنميتها. ويقول مسؤول أميركي كبير: «هذا موقف صعب بالنسبة لهم، نود أن نراهم قادرين على تحقيق طموحاتهم الخاصة». وخلال الزيارة الرسمية، من المقرر أن تعلن الولايات المتحدة وكينيا «رؤية نيروبي-واشنطن»، التي تدعو البلدان الدائنة، والصين على وجه الخصوص، إلى تقديم المنح ودعم الميزانية وتعليق الديون للمساعدة في تخفيف العبء.
وفي الوقت نفسه، دعا روتو الزعماء الأفارقة إلى الاعتماد بشكل أكبر على الدول الغربية والقروض ذات الفائدة المنخفضة من البنك الدولي لتمويل تنميتهم. وقال مسؤول كبير سابق في الإدارة: «هناك بعض الإرهاق الحقيقي للصين في إفريقيا، وترى الإدارة فرصة هناك».
وبدأت الولايات المتحدة بالفعل في تحقيق هذا الانفتاح. ففي قمة مجموعة العشرين العام الماضي، أعلنت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أنهما سيدعمان بناء ممر للسكك الحديدية يربط بين أنغولا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وزامبيا، وهو ما من شأنه أن يسهل عبور المعادن الحيوية في المنطقة إلى الغرب.
وفي اجتماعاته مع الرئيس الأميركي جو بايدن، سعى روتو إلى التأكيد على كينيا، والقارة الإفريقية الأوسع باعتبارها منطقة تستحق الاستثمار. وفي اجتماع للرؤساء التنفيذيين، الأربعاء الماضي في البيت الأبيض، أخبر نظيره الأميركي أن التصورات القديمة للقارة تتغير. وقال روتو للرئيس خلال الاجتماع، وفقاً لمسؤول كبير في الإدارة الأميركية أعاد صياغة ملاحظة الزعيم: «لقد تجاوزتم جميعاً التفكير في إفريقيا كمكان للحرب والدمار بدلاً من كونها مكاناً للفرص، ونحن نجعل ذلك حقيقة».
صراعات خارجية
ومع ذلك، فإن زيارة روتو لواشنطن تأتي في لحظة من عدم الاستقرار السياسي في العديد من البلدان الإفريقية، فقد أطاحت الانقلابات العسكرية التي حدثت خلال العام الماضي بالحكومات وأكدت على هشاشة سيادة القانون، في حين أبدى حلفاء أميركا التقليديون في القارة استعداداً جديداً للانفصال عن الولايات المتحدة. وتمثل أحد أهداف زيارة الرئيس الكيني في إظهار قدرة الديمقراطيات مثل كينيا، على تلبية احتياجات شعوبها.
وأصبح بايدن، الذي استضاف الزعماء الأفارقة في البيت الأبيض لحضور قمة في وقت سابق من ولايته، منشغلاً منذ ذلك الحين بالصراعات في الشرق الأوسط وأوكرانيا. واستضاف منذ اجتماع ديسمبر 2022، الذي أعلن خلاله أنه «مؤيد بالكامل» لإفريقيا، زعيماً إفريقياً واحداً فقط لإجراء محادثات في البيت الأبيض، وهو الرئيس الأنغولي جواو مانويل غونسالفيس لورينسو.
وقال مسؤول كبير في الإدارة هذا الأسبوع: «ليس سراً أن العالم شهد كثيراً من الأحداث خلال العام ونصف العام الماضيين»، مشيراً إلى مجموعة من الوزراء وغيرهم من كبار المسؤولين في الإدارة الذين زاروا إفريقيا كدليل على التزام فريق بايدن بذلك.
ومع ذلك، فإن موجة الصراعات الخارجية منعت بايدن نفسه من القيام بزيارة، وهو ما تعهد بالقيام به في غضون عام من انعقاد القمة. وقال مستشاره للأمن القومي، جيك سوليفان للصحافيين، الأربعاء الماضي: «إنه لايزال ينوي السفر إلى إفريقيا كرئيس، لكنه لم يتمكن من تحديد الموعد». وقال بايدن أثناء ترحيبه بروتو في البيت الأبيض الأربعاء: «إنه يعتزم زيارة إفريقيا العام المقبل، بعد تأمين إعادة انتخابه، كما يأمل».
ويقول المستشارون: «إن بايدن لايزال عازماً على تركيز الاهتمام على إفريقيا، خصوصاً وسط المناورات من أجل النفوذ الاستراتيجي من روسيا والصين». كما أن المقارنة مع الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي أشار بشكل خاص إلى بعض الدول الإفريقية على أنها (أوكار قذرة)، ولم يقم هو بنفسه بزيارة إفريقيا عندما كان في منصبه، لم تغب عن أعين مساعدي بايدن. وتعتبر زيارة روتو لواشنطن هي الأولى التي يقوم بها زعيم إفريقي منذ عام 2008.
ومن خلال اختيار كينيا لزيارة الولايات المتحدة، يشير بايدن وفريقه، إلى أنهم ينظرون إلى روتو وبلاده على أنهما من بين أهم حلفاء الولايات المتحدة في منطقة تحوّلت فيها الولاءات بعيداً عن واشنطن. وكانت كينيا شريكاً رئيساً للولايات المتحدة في مكافحة مسلحي حركة الشباب في الصومال المجاورة، وانضمت في وقت سابق من هذا العام إلى التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، بهدف صد الهجمات على ممرات الشحن في البحر الأحمر التي يشنها الحوثيون في اليمن. وتستعد كينيا أيضاً لنشر 1000 ضابط شرطة شبه عسكري في هايتي في محاولة لقمع عنف العصابات، وهي مهمة تمولها الولايات المتحدة إلى حد كبير.
• من خلال اختيار كينيا لزيارة الولايات المتحدة، يشير بايدن وفريقه، إلى أنهم ينظرون إلى روتو وبلاده على أنهما من بين أهم حلفاء الولايات المتحدة.
• زيارة روتو لواشنطن تأتي في لحظة من عدم الاستقرار السياسي في العديد من البلدان الإفريقية، فقد أطاحت الانقلابات العسكرية خلال العام الماضي بالحكومات وأكدت على هشاشة سيادة القانون.