يعتبر البعض أن الاستقالة من العمل خطوة نحو بداية جديدة، خصوصاً بعد سنوات من الالتزامات المهنية. ومع ذلك، فهم لا يبادرون بمغادرة «قروبات» العمل من تلقاء أنفسهم، بل يصرون على أن يظلوا جزءاً من الجسم الوظيفي القديم، بدافع الألفة ربما، ووجود علاقات مودة قديمة.
إلا أن ما يجهله هؤلاء هو وجود تبعات قانونية قد تواجههم نتيجة بقائهم في «قروبات» العمل على منصات التواصل الاجتماعي بعد إنهاء علاقاتهم الوظيفية، لأنه من شأن هذا التصرف المساس بخصوصية الشركة وكشف أسرارها.
وأفاد مستشارون قانونيون بأن استمرار الموظف المستقيل في استخدام معلومات العمل بعد مغادرته المؤسسة، وبقاءه في قنوات التواصل المخصصة لجهة عمله السابقة، سواء على مواقع التواصل الاجتماعي أو على برامج الاجتماعات «عن بُعد»، قد يعرّضه للمساءلة القانونية، بسبب إمكانية الوصول إلى معلومات قد تؤثر في خصوصية جهة العمل، أو مشاركة بيانات غير مصرح بها، موضحين أنه على الموظف – بمجرد استقالته أو إنهاء خدماته من العمل – الخروج من جميع الحسابات والمجموعات المرتبطة بهذه الجهة، فور انتهاء العلاقة الرسمية.
وتفصيلاً، أكد المستشار القانوني والمحامي راشد الحفيتي، أن قاعات المحاكم تشهد العديد من القضايا المتعلقة بإفشاء الموظفين أسرار العمل، أو استخدامها لأغراض شخصية، نتيجة بقائهم في «القروبات» أو المراسلات الخاصة بالشركة بعد استقالتهم رسمياً، موضحاً أن الأصل هو إزالة الموظف من جميع الحسابات الخاصة بالشركة فور استقالته رسمياً، وإذا لم تقم الشركة بذلك، فإنه لا يحق له البقاء في هذه المجموعات.
وأشار الحفيتي إلى أن قانون مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية يعاقب في المادة (45) من يكشف معلومات سرية حصل عليها بمناسبة عمله، أو بحكم مهنته، باستخدام وسائل تقنية المعلومات دون إذن، حيث تنص المادة على الحبس لمدة لا تقل عن ستة أشهر، وغرامة مالية تراوح بين 200 ألف ومليون درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين.
وأضاف أن استخدام تلك المعلومات لمنفعة شخصية، أو لمنفعة شخص آخر، يعد ظرفاً مشدداً، ويستوجب عقوبات أشد.
كما أكد الحفيتي أن المادة (44) من القانون تتعلق بإفشاء الأسرار والاعتداء على الخصوصية، حيث يعاقب بالحبس لمدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة مالية تبدأ من 150 ألف درهم وتصل إلى 500 ألف درهم، كل من استخدم شبكة معلوماتية أو نظام معلومات إلكترونياً أو إحدى وسائل تقنية المعلومات، بقصد الاعتداء على خصوصية شخص أو على حرمة الحياة الخاصة أو العائلية للأفراد من دون رضاهم، أو في غير الأحوال المصرّح بها قانوناً.
وتشمل هذه الحالات استراق السمع أو اعتراض أو تسجيل المحادثات، أو التقاط صور الغير ونشرها، أو تتبع مواقعهم الجغرافية.
كما يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة مالية تراوح بين 250 ألفاً و500 ألف درهم، كل من يستخدم نظام معلومات إلكترونياً بقصد التشهير أو الإساءة لشخص آخر.
وأشار الحفيتي إلى قضية وقعت في إحدى شركات هندسة الديكور، حيث قامت الشركة بفصل مهندس، لكنه استمر في البقاء بجميع الحسابات الخاصة بالشركة، بما في ذلك المجموعات الخاصة على منصات التواصل الاجتماعي، مثل «إنستغرام»، مشيراً إلى أن المهندس استخدم الصور والمواد التي تم عرضها في هذه المجموعات لمصلحته الشخصية، ما ألحق ضرراً كبيراً بالشركة، إذ أصبح يروّج للمحتوى عبر حساباته الخاصة، ما أضر بسمعة الشركة وحقوقها المالية.
وأكد الحفيتي أن هذا النوع من السلوك يعد خرقاً للقوانين ويعرّض الموظف للمساءلة القانونية، كونه استخدم معلومات وصوراً سرية تخص الشركة دون إذن، وهو ما يُعد تعدياً على حقوق الملكية الفكرية وخصوصية العمل.
إلى ذلك، أكد المستشار القانوني والمحامي، سعيد الزحمي، أن القانون الإماراتي صريح في هذه المسألة، حيث لا يجوز للموظف، بعد تقديم استقالته أو إنهاء خدماته من العمل، التعامل مع أي شأن يتعلق بالشركة أو المؤسسة، سواء في المجموعات الخاصة بالعمل أو الاجتماعات الداخلية.
وأوضح أن استمرار الموظف المستقيل في استغلال موقعه السابق للتواصل مع العملاء، أو الاطلاع على المعلومات يعرّضه للمساءلة القانونية، إذ إنه بمجرد استقالته يفقد أي حق في تمثيل الشركة، أو التواصل نيابة عنها.
وأشار الزحمي إلى حالة شركة تأمين كبرى تضم أكثر من 700 موظف، حيث استغل أحد الموظفين المستقيلين المعلومات المتاحة له في المجموعات الخاصة بالشركة للتواصل مع العملاء، ما أعطى انطباعاً خاطئاً بأنه لا يزال موظفاً لدى الشركة.
ولفت إلى أن «مثل هذا السلوك يمنح الشركة الحق في اتخاذ الإجراءات القانونية، ورفع دعوى قضائية ضد الموظف المستقيل، لأن إثبات هذه التصرفات ليس صعباً، إذ يمكن للشركة تقديم دليل على تواصله مع العملاء، واستخدامه معلومات داخلية حصل عليها أثناء عمله السابق».
وشدد الزحمي على ضرورة خروج الموظف المستقيل فوراً من جميع المجموعات والحسابات المرتبطة بالشركة، وألا يتورط في أي تعاملات تخص الشركة مع جهات أخرى لمنفعة شخصية، مؤكداً أن أي مخالفة من هذا النوع تعد خرقاً للقانون، ما قد يؤدي إلى مساءلته بتهمة إفشاء أسرار العمل، بحسب طبيعة وظيفته السابقة، والمعلومات التي كانت تحت تصرفه.
وقال المستشار القانوني، الدكتور فهد الظهوري، إن هذه المخالفات تتطلب رقابة مشددة من الشركات نفسها، حيث يجب عليها التأكد من إزالة الموظفين المستقيلين من جميع المنصات والمجموعات الخاصة بها، لضمان الحفاظ على أسرارها وحمايتها من أي تسريب أو استخدام غير قانوني للمعلومات، مضيفاً أنه من الضروري توعية الموظفين والمستقيلين بالعواقب القانونية التي قد تترتب على استمرارهم في التفاعل مع هذه المجموعات بعد الاستقالة.
وشرح الظهوري أن قانون حماية المعلومات الشخصية وخصوصية البيانات، يحظر على الموظفين السابقين استخدام أو إفشاء أي معلومات تتعلق ببيانات الشركة أو عملائها، حتى بعد انتهاء عقد العمل.
وأشار إلى أن استمرار الموظف المستقيل في الوصول إلى معلومات حساسة عبر هذه المجموعات يعتبر خرقاً للمادة (45) من قانون مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية، التي تنص على معاقبة كل من يكشف معلومات سرية حصل عليها بمناسبة أو بسبب عمله باستخدام وسائل تقنية المعلومات، إذا لم يكن مخوّلاً بذلك. وأضاف: «تتزايد أهمية هذه الرقابة في ظل تقدم التكنولوجيا، حيث أصبحت المعلومات متاحة بشكل أسرع وأسهل، لذلك فمن الواجب على الشركات وضع ضوابط واضحة لضمان عدم تسريب أي بيانات حساسة بعد مغادرة الموظفين، بما في ذلك تفعيل سياسات صيانة الحسابات، وحذف الوصول إلى المنصات الداخلية فوراً بعد الاستقالة».
وقال استشاري الصحة النفسية والمحاضر في مركز تمكين للتدريب، الدكتور محمد يحيى نصار، إن دوافع بعض الموظفين المستقيلين للبقاء في (قروبات) العمل على منصات التواصل الاجتماعي قد تنشأ من شعورهم بالقلق حول من سيخلفهم في مناصبهم ومدى نجاح العمل من دونهم، وهو ما قد ينجم عن طريقة إنهاء الخدمة أو شعورهم بالظلم وتدني مفهوم الذات.
وأضاف أن بقاء الموظفين يعود لأسباب اجتماعية ونفسية متعددة، حيث تتمثل أبرز هذه الأسباب في دوافع الانتماء والارتباط العاطفي، إضافة إلى أن الإنسان بطبعه يميل إلى التآلف مع محيطه، وعليه فإن التخلي عن هذه الروابط ليس أمراً سهلاً.
وأكد أن العديد من الموظفين الذين يبقون في هذه المجموعات يتمتعون بذكاء عاطفي وقدرة على إدارة العلاقات الاجتماعية، حيث يحرصون على العلاقات التي تجمعهم بزملائهم، كما أن بعضهم يرغب في متابعة مدى تأثيرهم في المؤسسة وتقدير زملائهم ومديريهم، وهو ما يعكس رغبتهم في تحقيق الذات والاعتراف بقيمتهم.
دوافع اجتماعية
قال استشاري الصحة النفسية، الدكتور محمد يحيى نصار، إن الدوافع الاجتماعية تلعب دوراً مهماً في استمرار الموظف المستقيل في قنوات التواصل المخصصة لجهة عمله السابقة، مشيراً إلى محاولة إبقاء الود والتواصل تحسباً للعودة مرة أخرى، أو الحاجة إلى التعامل مع الزملاء في المستقبل.
وإضافة إلى ذلك، تؤثر بيئة العمل نفسها، بشكل كبير، فكلما كانت آمنة وصحية، مع وجود روح من التعاون والتفاهم بين الموظفين والمديرين، كان من الصعب نسيان هذا الترابط.
المحامي راشد الحفيتي:
الأصل إزالة الموظف من الحسابات الخاصة بالشركة فور الاستقالة رسمياً، وإذا أغفلت الشركة ذلك فلا يحق له البقاء في مجموعاتها.