في مقال صريح تم نشره في مجلة «نيتشر» العلمية في شهر مارس الماضي، طرح أحد كبار علماء المناخ في العالم احتمالاً مثيراً للقلق، مفاده أن ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي ربما تتحرك إلى ما هو أبعد من قدرة الخبراء على التنبؤ بما سيحدث بعد ذلك.
وكتب هذا العالم وهو البريطاني غافين شميدت، مدير معهد «ناسا غودارد» لدراسات الفضاء في نيويورك: «في عام 2023 ظهر الارتفاع غير المألوف في درجة الحرارة فجأة، ما كشف عن فجوة معرفية غير مسبوقة ربما لأول مرة منذ نحو 40 عاماً، عندما بدأت بيانات الأقمار الاصطناعية في تقديم رؤية غير مسبوقة في الوقت الفعلي لنظام مناخ الأرض». وأضاف شميدت أنه «إذا لم يستقر هذا التغير بحلول شهر أغسطس من العام ذاته، فإن ذلك ينطوي على أن ارتفاع درجة حرارة الكوكب يعمل بالفعل على تغيير جذري في كيفية عمل نظام المناخ، قبل وقت أطول بكثير مما توقعه العلماء».
تذبذب مؤقت
قرأ العديد من العاملين في مجتمع العلم والبيئة هذه الكلمات وهم يشعرون بانزعاج وقلق، فهل كانت القفزة في درجات الحرارة على مدى الشهور الـ13 الماضية، والتي تجاوزت توقعات الخبراء بشأن الانحباس الحراري العالمي؛ علامة على تغير منهجي أم أنها مجرد حادث مؤقت؟ وإذا كان العالم يسخن بشكل أسرع مما تصوره العلماء، ويبدو أنه يقفز سنوات عدة قبل التوقعات، فهل يعني هذا أن عقوداً مهمة من العمل قد ضاعت هباءً؟
ومع بلوغنا شهر أغسطس الآن، يبدو شميدت أقل انزعاجاً، لكنه قال إن الوضع لايزال غامضاً، ولكن اتجاهات الاحتباس الحراري العالمية الأوسع نطاقاً بدأت تتحرك في اتجاه التوقعات. وقال: «ما أفكر فيه الآن هو أننا لسنا بعيدين عن التوقعات، وإذا حافظنا على هذا الوضع خلال الشهرين المقبلين فيمكننا القول إن ما حدث في أواخر عام 2023 يمكن وصفه بأنه (تذبذب مؤقت) أكثر من كونه منهجياً، ولكن من السابق لأوانه أن نطلق عليه هذا الحكم».
وقال شميدت في مقابلة حصرية مع صحيفة «الغارديان» إن الأرقام القياسية قد تحطمت العام الماضي بهامش مفاجئ، ويتوقع أن يسجل عام 2024 ذروة جديدة على الرغم من أن الاتجاه قد يقترب من التوقعات.
الأرقام القياسية
وبالنظر إلى الأشهر الأكثر احتراراً في النصف الثاني من عام 2023 وبداية 2024 عندما تم تجاوز الأرقام القياسية السابقة بنحو 0.2 درجة مئوية، وهو تطور ضخم؛ فإن العلماء لايزالون في حيرة من أمرهم. وقال: «ليس لدينا تفسير كمي لوصف ذلك، وعلينا الحصول على الأجوبة الآن، ولكن وضع النماذج المناخية كمشروع بحث لا يفي بالغرض لأنه يفتقر إلى التفاعل السريع، فهي عملية بطيئة يتطوع بها الناس من جميع أنحاء العام بأوقاتهم، ولكننا لم نتوصل إلى حل».
وهذا لا يعني التشكيك في السبب الأساسي لارتفاع حرارة العالم التي يتفق نحو 99.9% من علماء المناخ على أن الإنسان هو السبب؛ لما يقوم به من حرق الوقود الأحفوري وقطع الغابات.
وهذا وحده يعد رقماً قياسياً جديداً مثيراً للقلق في درجات الحرارة كل عام، حيث شهد العالم الشهر الماضي يومين متتاليين من الحرارة تفوق أي شيء في السجلات البشرية، وربما أي شيء في أكثر من 120 ألف عام.
انعكاس الحرارة إلى الفضاء
وأضافت ظاهرة النينو الأخيرة إلى الضغوط الحرارية العالمية، كما أشار العلماء إلى تداعيات ثوران بركان هونغا تونغا المغمور في جنوب المحيط الهادئ في يناير 2022، وتكثيف النشاط الشمسي في الفترة التي سبقت ذروة شمسية متوقعة، وضوابط التلوث التي قللت من جزيئات ثاني أكسيد الكبريت المبردة، ولكن شميدت قال إن أياً من هذه الأسباب المحتملة لم يكن كافياً لتفسير ارتفاع درجات الحرارة.
وقال شميدت إنه كان يأمل الحصول على صورة أكثر وضوحاً بحلول موعد اجتماع الاتحاد الجيوفيزيائي الأميركي في ديسمبر المقبل، عندما يجتمع العديد من كبار علماء نظام الأرض في العالم في مدينة نيو أورليانز بولاية لويزيانا الأميركية.
انخفاض الجليد في القطبين
إحدى أكثر النظريات إثارة للقلق التي يمكن أن تظهر هي أن الأرض تفقد قدرتها على القيام بعملية انعكاس الحرارة إلى الفضاء، ويرجع هذا في الأساس إلى انخفاض كميات الجليد الأبيض في القطب الشمالي والقطب الجنوبي والأنهار الجليدية الجبلية. وأشار الأستاذ في جامعة إكستر البريطانية بيتر كوكس، على موقع «إكس»، إلى أن هذا «يسهم بشكل كبير في تسريع ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي».
وفي يوليو الماضي، بلغ إجمالي مساحة الجليد البحري أدنى مستوى له على الإطلاق لهذا التاريخ، بنحو أربعة ملايين كيلومتر مربع، وهي مساحة أكبر من مساحة الهند، وأقل من متوسط الفترة من 1981-2010، وفقاً لعالم المناخ في الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي في الولايات المتحدة زاكاري لابي.
واستمرت الثلوج في الذوبان بسرعة لأن درجات الحرارة في بعض أجزاء القطب الجنوبي وصلت أخيراً إلى 24 درجة مئوية فوق المتوسط في منتصف الشتاء الجنوبي.
وحذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أخيراً من أن «الأرض أصبحت أكثر سخونة وأكثر خطراً على الجميع في كل أنحاء العالم».
وأشار إلى أن ظروف الحرارة المرتفعة للغاية أدت إلى إغلاق مناطق الجذب السياحي في العديد من المدن الأوروبية، وإغلاق الكثير من المدارس في بلدان عدة تقع في آسيا وإفريقيا.
درجة الحرارة 50
كانت درجات الحرارة فوق 50 درجة مئوية تعتبر نادرة الحدوث وتقتصر على منطقتين أو ثلاثة من المناطق الحارة في العالم، ولكن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أشارت إلى أن 10 دول على الأقل أبلغت عن هذا المستوى من الحرارة الشديدة في العام الماضي، وهي الولايات المتحدة والمكسيك والمغرب والجزائر والمملكة العربية السعودية والكويت وإيران وباكستان والهند والصين.
وفي الواقع فإن وتيرة التغير باتت مربكة، ويقول شميدت إن هناك فرصة بنسبة 72% لأن يتفوق عام 2024 على الرقم القياسي للحرارة في العام الماضي، وسترتفع هذه الاحتمالية إلى مستويات أعلى إذا لم يحدث تبريد بسبب ظاهرة النينا بحلول ديسمبر المقبل.
فيما يزعم آخرون أن العالم سيتجاوز قريباً حاجز الحماية الأدنى لاتفاقية باريس المتمثل في 1.5 درجة مئوية من الاحترار فوق متوسط ما قبل الصناعة.
واعترف شميدت بأنه في بعض الأوقات يضعه عمله في مأزق لأنه كعالم يريد أن تكون توقعاته بشأن الانحباس الحراري العالمي دقيقة، ولكن كإنسان يفضل أن تثبت أنها مبالغ فيها. وقال: «نتمنى جميعاً أن نكون على خطأ أكثر من أن نكون على صواب، وهذا هو الشيء الوحيد الذي لا يفهمه المتشككون». عن «الغارديان»
• إذا كان العالم يسخن بشكل أسرع مما تصوره العلماء، ويبدو أنه يقفز سنوات عدة قبل التوقعات، فهل يعني هذا أن عقوداً مهمة من العمل قد ضاعت هباءً؟
• إحدى أكثر النظريات إثارة للقلق التي يمكن أن تظهر هي أن الأرض تفقد قدرتها على القيام بعملية انعكاس الحرارة إلى الفضاء، ويرجع هذا إلى انخفاض كميات الجليد في القطبين.