أكد وكيل الأزهر الشريف، الدكتور محمد الضويني، أن دولة الإمارات باتت نموذجاً إسلامياً مشرفاً لتعزيز الأخوّة الإنسانية والتخطيط العلمي نحو المستقبل في مختلف القطاعات، من الاقتصاد حتى الفضاء، لافتاً إلى أن استشراف المستقبل والتخطيط له أمر ليس بجديد على الإمارات، بل هو نهج رسمه الوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وسار عليه أبناؤه.
وأوضح الضويني، خلال محاضرة ألقاها أول من أمس، في مجلس محمد بن زايد الرمضاني، بحضور الفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء. وزير الداخلية، أن الواقع العالمي الحالي جعل الإنسان يعيش ما يسمى بـ”قلق المستقبل”، وهو أمر لا ينبغي ألّا يتسم به الإنسان المسلم، الذي يجب عليه ألّا يخاف من المستقبل، بل يخطط له في ضوء نتائج الماضي ومستجدات الحاضر، منوهاً إلى أن القرآن الكريم أصّل لإيجابية التخطيط المستقبلي.
وتفصيلاً، شهد الفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء. وزير الداخلية، ثاني المحاضرات الرمضانية لمجلس صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، رئيس الدولة، التي قدّمها وكيل الأزهر الشريف، الدكتور محمد الضويني، تحت عنوان “الإنسان والمستقبل والتحديات المعاصرة”، بحضور وزير التسامح والتعايش، الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، ورئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي. رئيس منتدى أبوظبي للسلم، الشيخ عبدالله بن بيه، وعدد من الشيوخ والوزراء وكبار المسؤولين.
وتضمّنت المحاضرة، التي أدارها مدير جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، خليفة مبارك الظاهري، ثلاثة محاور رئيسة، شملت “الإنسان والمستقبل، الإنسان والقيم الدينية والأخلاق الحضارية، القيم الإنسانية وتحدياتها المعاصرة”، فيما بدأت بعرض مادة فيلمية (فيديو) عن دور دولة الإمارات في تأصيل القيم الإنسانية وفطرة التسامح، والنهج الذي صنعته لتعزيز السلم ومبادئ الإخلاص والتفاني والحب والسلام بين البشر بمختلف دياناتهم.
واستهل الضويني حديثه عن “علاقة الإنسان بالمستقبل” برسالة محبة وتقدير لشعب الإمارات وحكامها، نقلها عن فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، ثم أكد أن اختيار عنوان المحاضرة يعكس رؤية مبشرة ووعي بالغ لدى دولة الإمارات وقادتها لإدراك ما يواجهه الحاضر الإنساني من تحديات والمستقبل من متطلبات، لافتاً إلى أن استشراف المستقبل والتخطيط له أمر ليس بجديد على دولة الإمارات، بل هو نهج رسمه الوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وسار عليه أبناؤه.
وتحدّث الضويني عن الواقع العالمي وتحدياته قائلاً: “لا شك أن العالم المعاصر يمر بتحديات جمّة، على الصعد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، والمؤسف أن هذه التحديات لا تتوقّف عند مكان بعينه، بل تحدث في مكان وتظهر أثارها في مكان آخر، ما يخلق توترات تؤدي بلا شك إلى ضياع السلام والأمن، وتشيع الدمار والفزع بين الشعوب، وتكشف رغبات البعض في إشعال الحروب والعبث في الهويات والخصوصيات”.
وفيما يتعلّق بتأثير هذه التحديات على مستقبل الإنسانية، أوضح الضويني أن الواقع الحالي جعل الإنسان يعيش ما يسمى بـ”قلق المستقبل”، وهو أمر لا ينبغي ألّا يتسم به الإنسان المسلم، الذي يجب عليه ألّا يخاف من المستقبل، بل يخطط له في ضوء نتائج الماضي ومستجدات الحاضر، منوهاً إلى أن القرآن الكريم أصّل لإيجابية التخطيط المستقبلي وقدّم العديد من القصص والعبر التي تؤكد أن فكرة الدين في أساسها قائمة على التخطيط، وأن التخطيط لا يتناقض مع التوكّل والقضاء والقدر، بل وذهب إلى أن الجنة هي مشروع مستقبلي يجب على المؤمن التخطيط للوصول إليه.
وقال: “التخطيط للمستقبل ليس شعاراً براقاً، وإنما هو علم له أسس وأدوات تستخدم الماضي والحاضر لبناء المستقبل، ومن ثم لا يجوز للمسلم أن يتخلف عن علوم المستقبل أو يعيش بمعزل عنها، ولذلك يجب على العالمين العربي والإسلامي أن يتخذا من دولة الإمارات نموذجاً مشرفاً للتخطيط العلمي نحو المستقبل في مختلف القطاعات، من الاقتصاد حتى الفضاء”.
وانتقل الضويني للحديث عن “إدارة المستقبل والقيم الدينية”، إذ بيّن الأخوة الإنسانية تعد العلاج الأمثل لما يحمله الواقع من تحديات، كونها تنادي على الناس بقيم التعارف والتعايش، والتواصل والحوار، مشدداً على أن إقرار هذه المبادئ لا يعني أبدا التفريط في الحقوق، ولا الاعتداء على الخصوصيات، ولا مسخ الهويات، ولا الإساءة إلى المعتقدات، كما يظن البعض.
وأضاف: “العقيدة ليست مجالا للمساومات ولا المفاوضات، كما أن الأخوة الإنسانية لا تفرق بين الشعوب، فليس لشعب حق في الحياة دون شعب، ولا تفاضل بين الأمم، فليس لأمة حق في الأمن دون أمة”، مؤكداً أن حضارة الإسلام انفتحت على مختلف الحضارات الأخرى بالقيّم الأخلاقية التي تنادي بالمساواة والعدالة والعمل والتفاؤل وحفظ حقوق الأجيال أو ما بات يعرف بـ”التنمية المستدامة”.
وبيَّن الضويني أن الشرائع السماوية تتفق على قيمة التسامح، وتخصها بقسط وافر من النصوص، قائلاً: “لو أن أتباع الوحي تلقوا نصوصه بعيداً عن تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، لأمن كل إنسان على نفسه في أي مكان وأي زمان، وقد جاء الإسلام بجملة من المبادئ الأخلاقية والقيم الحضارية التي تعصم النفوس، وتحفظ الأرواح، وتضبط حركة الحياة والأحياء، فلا فرق في الإسلام بين بني الإنسان بسبب اللون، أو الجنس، أو اللسان، فهم جميعا من أصل واحد: أب واحد، وأم واحدة”.
الإمارات وترسيخ القيم
قال وكيل الأزهر الشريف، الدكتور محمد الضويني: “إن دولة الإمارات تعد من أولى الدول التي سعت إلى ترسيخ القيم الإنسانية وإعلائها، ونشرها على شعوب العالم، لإنقاذ البشرية من الأزمات الحادة والأفكار المنحرفة”.
وأضاف: “عند الحديث عن القيّم والأخوة الإنسانية يتجلّى لنا إعلان أبوظبي في عام 2014 عن تأسيس مجلس حكماء المسلمين، بهدف المساهمة في تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة وغير المسلمة وتجنيبها عوامل الصراع الانقسام والتشرذم ونشر قيم التسامح والتعايش الإنساني، وكذلك تأسيسها لمنتدى أبو ظبي للسلم، بالإضافة إلى جهودها ومساعيها المتواصلة لنشر قيم السلام والمحبة والتواد بين شعوب العالم”.
أهم وثيقة في التاريخ الحديث
أكد وكيل الأزهر الشريف، الدكتور محمد الضويني، أن احتضان أبوظبي لوثيقة الأخوة الإنسانية التي أطلقها شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان، وأقرتها الأمم المتحدة لتصبح الوثيقة الأهم في التاريخ الحديث، تؤكد أنه ليس من الصعب على شعوب العالم بأسره أن تحتكم إلى قيّم إنسانية مٌتفق عليها، دون المساس بالعقائد ولا الاعتداء على الخصوصيات.
وقال: “وثيقة الأخوة الإنسانية تضمنت قيما نبيلة نصت عليها الشرائع السماوية كافة، فأكدت حق الإنسان في الحرية المسؤولة، سواء في العقيدة أو الفكر أو التعبير أو الممارسة، وأرست آداب التعامل في ظل التعددية والاختلاف في الدين واللون والجنس والعرق واللغة، ونادت بالحوار المبني على التسامح وقبول الآخر، وبإقامة العدل المبني على الرحمة، وبغير ذلك من مبادئ التي تضمن لبني الإنسان مقومات الحياة الكريمة، وتقدر في حال الالتزام باتباعها على تخليص الناس من المنغصات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية التي تفسد عليهم بهجة الحياة”.