بدأت دولة الإمارات في رسم ملامح جديدة لاقتصادها باستخدام الذكاء الاصطناعي، وذلك منذ أكثر من 14 عاماً، ومع بداية العقد الثاني من القرن الـ21، إلا أنه في الأعوام الأربعة الماضية، وتحديداً مع بداية جائحة «كورونا»، حدثت نقلة كبيرة وطفرة غير مسبوقة في الاستفادة من تطبيقات الذكاء الاصطناعي، بدعم من البنية التحتية المتطورة، وجاهزية القطاعات المختلفة للعمل عن بُعد، وتقديم الخدمات بالكفاءة ذاتها، وبجودة أسرع.
وتنافست المؤسسات والبنوك، والجهات الخدمية، وشركات الطاقة، والطيران، وتجارة التجزئة، في إثبات جدوى استثماراتها الضخمة في «أتمتة العمليات» التي ضختها على مدار عقد كامل، ما أسهم في إنجاز المهام كافة بسهولة كبرى، فأصبح هناك نموذجان للعمل والتجارة والحياة بشكل عام يعملان بالكفاءة ذاتها، يمكن التنقل بينهما في أي وقت، وهما: «النموذج الواقعي»، و«النموذج الافتراضي».
وتُعدّ دولة الإمارات أول دولة في المنطقة تتبنى خطة شاملة للذكاء الاصطناعي، إذ أطلقت عام 2017 «استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي»، كجزء من «مئوية الإمارات 2071»، كما حلّت الدولة في المرتبة الخامسة عالمياً، والأولى على مستوى الشرق الأوسط في مؤشر «جلوبال فايبرنسي 2024» الصادر عن جامعة ستانفورد الأميركية.
وتوقع خبراء في قطاعات تكنولوجيا المعلومات، والمالية، والطاقة، لـ«الإمارات اليوم»، أن تشهد الأعوام المقبلة طفرة كبيرة في استخدام وتطبيق الذكاء الاصطناعي، استناداً إلى مقومات عدة تمتلكها دولة الإمارات، منها أنها ليست مستهلِكة للذكاء الاصطناعي، بل مشارِكة في صناعته.
وشددوا على أهمية وجود مزيد من التشريعات التي تحدث توازناً عند التطبيق الموسّع للذكاء الاصطناعي، ووضع خطط لتأهيل الكوادر البشرية، لافتين إلى ما يُسمى بـ«أخلاقيات الذكاء الاصطناعي»، بمعنى تنويع البيانات والمعلومات لتغطي مناحي الحياة كافة، وتراعي الاختلافات بين الدول، وتنوع الثقافات والقيم، وتغيّر المناخ من منطقة إلى أخرى.
ولفتوا كذلك إلى أهمية ضمان حماية سرية بيانات المتعاملين من الاختراق، مؤكدين أن الذكاء الاصطناعي يمثّل نقلة نوعية في قطاع الطاقة الإماراتي، وقطاعات أخرى عدة، من خلال زيادة الكفاءة، وتحسين السلامة، وخفض الكُلفة، وإحداث نهضة حقيقية في الاقتصاد.
كما توقعوا أن تسهم تطبيقات الذكاء الاصطناعي في خفض كُلفة العمليات في قطاع النفط بواقع 20%.
أنواع الذكاء الاصطناعي
وتعقيباً على ذلك، قال استشاري العلوم الإدارية وتكنولوجيا المعلومات في «جي آند كي»، عاصم جلال، لـ«الإمارات اليوم»: «الطفرة التي يشهدها استخدام الذكاء الاصطناعي حالياً هو الذكاء التوليدي الذي نستخدمه، مثل (تشات جي بي تي)، الذي نستخدمه في كتابة النصوص والبحث وغير ذلك، لكن تطبيقات الذكاء الاصطناعي بدأت في دولة الإمارات منذ سنوات».
وأضاف: «هناك سبعة أنواع من الذكاء الاصطناعي، منها المستخدم في التعرف إلى الأنماط، ويتم استخدامه في تجارة التجزئة، والقطاع المصرفي، والطاقة، والكهرباء، والمياه، ويتم فيه إعطاء بيانات عن فترات سابقة، فيوفر تنبؤات وقراءات عمّا سيحدث مستقبلاً وخلال المواسم، وبالتالي يمكن اتخاذ قرارات دقيقة والتعلم من الأنماط السابقة».
وتابع: «تستخدم دولة الإمارات الذكاء الاصطناعي أيضاً في القطاعات الاستثمارية، والسياحة، والفندقة، فضلاً عن القطاع الخدمي مثل المياه والكهرباء، إذ يمكن عن طريقه قياس أنماط الاستهلاك، وما إذا كان هناك هدر على غير العادة، وبالتالي يتم تنبيه المستهلك وهكذا».
شريك في الصناعة
وحول التوقعات المستقبلية، قال جلال: «ينتظر أن تشهد الأعوام المقبلة طفرة كبيرة في استخدام وتطبيق الذكاء الاصطناعي، استناداً إلى مقومات عدة تمتلكها دولة الإمارات، منها أنها ليست مستهلكة للذكاء الاصطناعي، بل مشاركة في صناعته، كما أنها تحتل المركز الخامس عالمياً، متخطية العديد من الدول الأوروبية والغربية، ولديها خطط واستراتيجيات واضحة، وعيّنت أول وزير على مستوى العالم للذكاء الاصطناعي، إدراكاً لأهمية هذا القطاع الجديد منذ سنوات، وقبل حدوث الطفرة الاستهلاكية على مستوى الأشخاص، بعد أن كان محصوراً على المعامل والشركات».
وقال: «من مقومات التطور في هذا المجال بالإمارات أيضاً، وجود تشريعات وبنية تقنية متطورة، وحوسبة سحابية، واتصالات فائقة السرعة ومتطورة، ما يشكل منظومة متكاملة، فضلاً عن توافر الطاقة، إذ إن كل ذلك يحتاج إلى طاقة كهربائية كبيرة جداً، لذا يتوقع أن يشهد شكل القطاعات الاقتصادية في دولة الإمارات تحولاً كبيراً، وطفرة غير مسبوقة نتيجة تطبيقات الذكاء الاصطناعي، ليس على مستوى الشركات الكبيرة فحسب، وإنما بالنسبة لنظيرتها الصغيرة والمتوسطة، وكذلك مشروعات الشباب التي تقوم على الابتكار».
التشريعات والتأهيل
ورداً على سؤال حول ما تحتاج إليه السوق في هذا المجال الجديد، قال: «ما تحتاج إليه السوق في دولة الإمارات، وجود مزيد من التشريعات التي تحدث توازناً عند التطبيق الموسّع، بين الاعتماد عليه، وفي الوقت نفسه، إدارة فرص العمل المتوافرة لأفراد المجتمع، إضافة إلى وضع خطط لتأهيل الكوادر البشرية، بما يتناسب مع حجم التطور الذي تشهده القطاعات الاقتصادية المختلفة، وإعادة ترتيب الأولويات فيما يخص إسناد الوظائف، وتوزيعها بين العنصر البشري والذكاء الاصطناعي».
وأشار جلال إلى أن هناك ما يُسمى بـ«أخلاقيات الذكاء الاصطناعي»، بمعنى تنويع البيانات والمعلومات لتغطي مناحي الحياة كافة، وتراعي الاختلافات بين الدول، وتنوع الثقافات والقيم، وتغيّر المناخ من منطقة إلى أخرى، وكذلك تعدد الديانات، وغير ذلك.
وأوضح: «كمثال على ذلك: فإنه إذا تم توفير البيانات للذكاء الاصطناعي عن المناطق الباردة في العالم فقط، فإن ذلك لن يفيد سكان المناطق الحارة، ويمكن القياس على ذلك في الأمور كافة، أي أن هناك أهمية لوجود عدالة وأخلاقيات في التطبيق، والاستخدام بشكل عام، وهنا تبرز أهمية ما قامت به دولة الإمارات من إيجاد نماذج للذكاء الاصطناعي منتجة محلياً، لتلبية تطلعات شعوب ودول المنطقة، إذ إن أداء الذكاء الاصطناعي يطغى عليه شكل المعلومات والبيانات التي تم إدخالها في أنظمته».
وتابع: «نحن على أبواب استخدام الذكاء الاصطناعي العام، وهذا يعني أن ما سنراه في الفترة المقبلة سيكون أعلى وأسرع مما رأيناه في السابق، وأن هناك تغيراً كبيراً في المشهد مكتملاً، سواء على مستوى الاقتصاد، أو الحياة عموماً».
القطاع المصرفي
من جانبها، قالت الخبيرة المصرفية، عواطف الهرمودي: «أصبح الذكاء الاصطناعي من الأنظمة التكنولوجية الأساسية للقطاعات كافة، ومن أهمها قطاع البنوك، إذ أصبح عاملاً أساسياً في تحسين كفاءة العمليات، وضمان سرعة إنجاز المعاملات، وهذا ما ظهر جلياً خلال جائحة (كورونا)، حيث ساعد الذكاء الاصطناعي، البنوك، كثيراً على الانتقال إلى نموذج العمل الافتراضي، من دون أن يشعر المتعاملون بالفرق، بل استحسن الكثير منهم التجربة على مستوى السرعة والتجاوب والتنفيذ».
وأضافت الهرمودي: «على الرغم من المزايا الكثيرة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي في القطاعات الاقتصادية والخدمية كافة، فإن هناك خصوصية يجب على البنوك الانتباه إليها، تتعلق بضرورة ضمان حماية سرية بيانات المتعاملين من الاختراق، فضلاً عن تأهيل الكوادر البشرية العاملة في القطاع، والحفاظ عليهم، إذ إن هناك مبالغ كبيرة تم إنفاقها على تعليمهم وتدريبهم، ويشكلون أحد أهم الأصول لدى أي بنك».
وتابعت الهرمودي: «الاعتماد على الذكاء الاصطناعي يساعد البنوك والشركات أيضاً على إدارة المخاطر بشكل أفضل، إلى جانب إدارة العمليات، والتنبؤ بالأرباح والخسائر المستقبلية، فضلاً عن العديد من العمليات اليومية، لكن الاعتماد الزائد عليه يحتاج إلى خطط واضحة تضمن عدم سيطرته على حساب العنصر البشري».
خفض الكُلفة
بدوره، قال الخبير الاقتصادي رئيس مجلس إدارة مجموعة الشموخ لخدمات النفط، الدكتور علي العامري: «غيّر الذكاء الاصطناعي بشكل كبير شكل القطاعات الاقتصادية في دولة الإمارات، خصوصاً قطاع الطاقة»، لافتاً إلى أن التأثير كان عميقاً، حيث يُعدّ الذكاء الاصطناعي محركاً رئيساً للتحديث والتحسين.
وأضاف: «استُخدم الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات الضخمة من آبار النفط والغاز، لتحديد أفضل الطرق لتحسين الإنتاج وتقليل الهدر، كما استخدم في التنبؤ بمشكلات محتملة، ما وفّر الوقت والجهد والمال، فضلاً عن استثماره في كيفية الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية، من خلال تحديد المواقع الأكثر إنتاجية، وتحديد ما إذا كان حقل ما لايزال ينتج بأقصى كفاءة أم لا؟، إضافة إلى المساعدة في تطوير تقنيات جديدة للحد من الآثار البيئية للطاقة، وفي مراقبة السلامة وفحص المعدات وتحديد المخاطر المحتملة».
وتابع العامري: «من المجالات التي تم استعمال الذكاء الاصطناعي فيها: تحسين عمليات التشغيل الآلي في محطات الطاقة، ما يقلل من الاعتماد على العمالة البشرية، ويضمن العمل بكفاءة أكبر، إضافة إلى استخدامه في تحليل البيانات المتعلقة بالطاقة الشمسية والرياح لتنبؤات أكثر دقة حول إنتاجها، ما يُساعد في إدارة الموارد بشكل أكثر فاعلية، فضلاً عن تحليل البيانات من سلاسل التوريد، لتحديد نقاط الخلل أو التباينات، ما يتيح فرصاً للتحسين والتخطيط الأمثل، والتحكم عن بُعد بالأنظمة والعمليات في قطاع الطاقة، ما يزيد من كفاءة التشغيل ويُخفف من كُلفة الصيانة».
وأضاف العامري: «أما بالنسبة للقطاعات الأخرى، فقد استخدمت تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحسين استراتيجيات التسويق والتجارة الإلكترونية، وتحديد احتياجات السوق وتحليل بيانات المستهلكين، كما ساعد الذكاء الاصطناعي في تطوير مناهج تفاعلية، وتقديم الدعم الفردي للطلاب، وتخصيص التجارب التعليمية لاحتياجاتهم، أما بالنسبة لخدمات الأعمال، فالذكاء الاصطناعي استُخدم في إدارة العمليات، وتحليل البيانات، والتنبؤ بالطلب، وتحسين كفاءة العمليات».
وقال العامري: «لذلك، يمثّل الذكاء الاصطناعي نقلة نوعية في قطاع الطاقة الإماراتي، وقطاعات أخرى عدة، من خلال زيادة الكفاءة، وتحسين السلامة، وتخفيض الكُلفة، وإحداث نهضة حقيقية في الاقتصاد».
وتوقع العامري أن تسهم تطبيقات الذكاء الاصطناعي في خفض كُلفة العمليات في قطاع النفط بواقع 20%، وقد تتضاعف في السنوات المقبلة مع التوسّع في التطبيق.
96 مليار دولار إسهاماً مستقبلياً في الاقتصاد بحلول 2030
تتوقع شركة «بي دبليو سي الشرق الأوسط» أن يسهم الذكاء الاصطناعي بمبلغ 96 مليار دولار في اقتصاد دولة الإمارات بحلول عام 2030، أي ما يعادل نحو 14% من الناتج المحلي.
ووفقاً لتقرير صادر عن مؤسسة «آي دي سي» لأبحاث تقنية المعلومات، فقد شهد الاستثمار الإماراتي في الذكاء الاصطناعي نمواً بنحو 70% خلال السنوات الثلاث الماضية، فيما من المتوقع أن تصل استثمارات الدولة في هذا المجال إلى 33 مليار درهم (نحو تسعة مليارات دولار) في نهاية عام 2024.
إلى ذلك تشير تقديرات إلى أن سوق الذكاء الاصطناعي في دولة الإمارات سيصل إلى نحو 5.22 مليارات دولار (19.2 مليار درهم) في نهاية
عام 2024، مقارنة بـ3.47 مليارات دولار عام 2023، ما يعكس التوجه القوي نحو تبني التكنولوجيا المتقدمة.
«ديوا»: 95% رضا المتعاملين عن «رمّاس»
عززت هيئة كهرباء ومياه دبي (ديوا) ريادتها في تسريع تبني استخدامات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، والذكاء الاصطناعي التوليدي، بعدما أثمر توظيفها لأحدث التقنيات الإحلالية، ومنها الذكاء الاصطناعي التوليدي، وتقنية «تشات جي بي تي»، عن توفير تجربة رائدة ذات قيمة مضافة تعزز سعادة المعنيين.
وكشفت الهيئة أنه منذ بدء استخدام موظفها الافتراضي المعتمد على الذكاء الاصطناعي «رمّاس»، في 2017، واستخدام النسخة المُعتمدة على الذكاء الاصطناعي التوليدي والمدعومة بتقنية «تشات جي بي تي» في أبريل 2023، أجاب «رمّاس» عن أكثر من 9.6 ملايين استفسار منذ إطلاقه حتى نهاية النصف الأول من عام 2024، فيما وصلت نسبة رضا المتعاملين عن «رمّاس» إلى 95%.
صندوق بـ 10 مليارات دولار
أعلنت شركة «جي 42» القابضة، المتخصصة في الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية ومقرها أبوظبي، إنشاء صندوق بقيمة 10 مليارات دولار يركز على الاستثمارات التكنولوجية في الأسواق الناشئة، ما يعزز مكانة الإمارات مركزاً عالمياً للتقنيات المتقدمة.
اقتصاد قائم على الذكاء الاصطناعي
سلّط معرض «جيتكس غلوبال 2024»، خلال دورته الـ44 في دبي، الضوء على الدور المحوري للذكاء الاصطناعي، بوصفه أداة تحولية لإعادة تشكيل الصناعات وتعزيز النمو الاقتصادي والتجاري على مستوى العالم، وأقيم المعرض بمشاركة أكثر من 6500 شركة عارضة و1800 شركة ناشئة و1200 مستثمر، إلى جانب جهات حكومية من أكثر من 180 دولة، وحضور أكثر من 200 ألف زائر، ما يبرز أهمية الحدث وموضوعاته.
وأُقيمت نسخة عام 2024 تحت شعار «التعاون العالمي لصياغة اقتصاد المستقبل القائم على الذكاء الاصطناعي»، وشهدت عقد أول قمة لقادة الاقتصاد الرقمي في العالم.
أهم أهداف الإمارات من تبني الذكاء الاصطناعي
. تعزيز الكفاءة الاقتصادية، وخفض الكُلفة التشغيلية بنسبة تصل إلى 50%.
. خلق بيئة ابتكارية تشجع على البحث والتطوير في الذكاء الاصطناعي.
. تحسين جودة الحياة للمواطنين والمقيمين.
. تحقيق مكانة رائدة للإمارات مركزاً عالمياً لتطوير واستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي.
. طفرة كبيرة في استخدام الذكاء الاصطناعي بالإمارات خلال الأعوام المقبلة.
. دولة الإمارات مُشارِكة في صناعة الذكاء الاصطناعي وليست مُستهلِكة له.
. ضرورة إيجاد تشريعات تُوازن بين التطبيق الموسّع وفرص العمل المتاحة للأفراد.
. تدريب الكوادر البشرية مطلب مهم للتعامل مع الشكل الجديد للقطاعات الاقتصادية.