كشفت دراسة حديثة أن الأزمات الدولية المتلاحقة خلال السنوات القليلة الماضية قد أكدت على خطورة الاعتماد على سلاسل إمداد بعينها، دون وضع حلول جديدة في الاعتبار، تقي الدول من مخاطر تعطل أو توقف سلاسل التوريد العالمية، فتحميها من التعرض لنقص السلع والبضائع.
وفي ضوء ذلك، بدأ مؤخراً توجه واضح من قبل العديد من دول العالم نحو إنشاء مناطق لوجستية جديدة أو توسيع عمل المناطق اللوجستية القائم للتغلب على أزمات سلاسل التوريد المتصاعدة وإضافة مناطق خدمات متكاملة تشمل التخزين وبعض الأنشطة الأخرى المكملة لها، بما في ذلك ضمان سلامة المنتجات ووصولها إلى المستهلك بجودة عالية، إضافة إلى ساحات التخزين وأنشطة تجارة الجملة ونصف الجملة.
وأوضحت الدراسة التي أجراها مركز “إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية” ومقره أبوظبي، أن دولة الإمارات تسير بخطى متسارعة وخطط طويلة المدى لتعزيز مكانتها العالمية في قطاع المناطق اللوجستية بحرا وجوا وبرا لتقوية ترابطها مع ابرز المناطق العالمية ما يصب في تعزيز اقتصادها الوطني.
وجاء تدشين صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة مؤخراً، مشروع توسعة ميناء خليفة بتكلفة إجمالية بلغت 4 مليارات درهم مؤخرا ترسيخاً لمكانة دولة الإمارات ضمن واحدة من أقوى دول العالم في قطاع المناطق والخدمات اللوجستية ومساهمة كبرى باتجاه التعافي العالمي من جائحة “كوفيد-19” التي عطلت سلاسل الإمداد في العالم.
وعزز ميناء خليفة، الذي تم افتتاحه قبل 10 سنوات من مساهمة دولة الإمارات في نمو حركة التجارة العالمية وكونه إضافة نوعية لموانئ الدولة ورافداً مهماً في اتجاه النمو الاقتصادي بالدولة ،كما رسخ الميناء مكانة أبوظبي كمحرك قوي لنمو التجارة والصناعة والخدمات اللوجستية إقليمياً وعالمياً.
ووفقاً لوزارة الاقتصاد، يتوقع أن تصل قيمة قطاع الخدمات اللوجستية في المنطقة الشرق الأوسط إلى 66.3 مليار دولار خلال 2022، فيما توقع تقرير منصة “القابضة” (ADQ) فورورد التابعة لـ” القابضة” (ADQ)، أن يشهد قطاع الخدمات اللوجستية في دولة الإمارات نمواً بنسبة 8.4% وبحجم أعمال يصل إلى نحو 115.6 مليار درهم (31.4 مليار دولار) بحلول العام 2026.
ووفقاً لوزارة الاقتصاد، توفر الدولة للمستثمرين أكثر من 40 منطقة حرة متعددة التخصصات، وتتسم هذه المدن ببنيتها التحتية عالية الكفاءة وبخدماتها المتنوعة والمتميزة التي تسهل سير أعمال الشركات مما يوفر الوقت والجهد على المستثمرين، ويُسمح فيها لغير الإماراتيين بالملكية الكاملة للمشاريع وبنسبة 100%.
تنامي الصناعة
وأشارت دراسة “إنترريجونال” إلى ظهور مؤشرات قوية على تصاعد الاهتمام بإنشاء مناطق لوجستية جديدة وتوسيع أعمال القائم منها في العديد من الدول ،لاسيما مع تنامي حجم صناعة الخدمات اللوجستية لتقدر بـ750 مليار دولار على مستوى العالم.
وفيما يتعلق بدولة الإمارات، جاء توسيع عمليات موانئ دبي داخلياً عبر استقطاب العديد من الاستثمارات والشركات من المنطقة والعالم والتوسع خارجيا والتي كان آخرها في جنوب شرق شنغهاي، حيث وافقت شركة موانئ دبي العالمية، على تطوير الخدمات اللوجستية والتجارة في منطقة “لين جانج” الخاصة، وهي منطقة تجارة حرة في جنوب شرق شنغهاي؛ حيث تسعى الصين لتوسيع عملياتها اللوجستية بها.
وأضافت الدراسة: جاء استحواذ مجموعة موانئ أبو ظبي المشغلة للمدن الصناعية والمناطق الحرة في إمارة أبوظبي، على 100% من ملكية منصة الخدمات اللوجستية المتكاملة الإسبانية Noatum التي تبلغ قيمتها نحو 2.5 مليار درهم في إطار مواصلتها التوسع عالمياً ، بما يضعها بين الشركات العالمية في مجال الخدمات اللوجستية والشحن.
وتابعت الدراسة استعراض العديد من المؤشرات المتصاعدة إقليميا وعالميا بالاهتمام بإنشاء مناطق لوجستية جديدة وتوسيع أعمال القائم منها في العديد من دول العالم ومنها على المستوى الخليجي والعربي : إطلاق السعودية أول منطقة لوجستية متكاملة في مطار الملك خالد الدولي في الرياض على مساحة 3 ملايين متر مربع.
وافتتاح شركة الخدمات اللوجستية دي إس في DSV ثالث أكبر وكيل شحن في العالم ومزود الخدمات اللوجستية العالمي مرفقاً لوجستياً بمساحة 14 ألف متر مربع في منطقة البحرين اللوجستية بمدينة الحد البحرينية كما تم الإعلان عن إنشاء مناطق لوجستية جديدة في عدد من المحافظات المصرية.
وذكرت الدراسة أن الحكومة الهندية أعلنت مؤخراً عن قرب الانتهاء من تقديم عطاءات لأربع مناطق لوجستية جديدة كما قدمت إيطاليا خطة جديدة لتطوير المناطق اللوجستية وتقديم تسهيلات ائتمانية بقيمة 5 مليارات يورو.
محفزات
وأشارت الدراسة إلى عدد من المحفزات التي تقف وراء التوجه الإقليمي والعالمي نحو إنشاء مناطق لوجستية جديدة وتوسيع نطاق عمل المناطق اللوجستية القائمة والتي من أهمها: جذب استثمارات رأسمالية إضافية في البنية التحتية في هذه المناطق وتنشيط سوق العقار من خلال توفير قاعدة عقارية ضمن مناطق لوجستية جديدة والتخفيف من الأزمات الدولية في تعطيل سلاسل التوريد العالمية مثل جائحة كوفيد-19 واستمرار التوتر التجاري بين الصين والولايات المتحدة ، وتأثر سلاسل التوريد بفعل الأزمة الروسية الأوكرانية والتقليل من التأثير المعاكس لارتفاع أسعار الوقود وخلق فرص عمل جديدة.
مستقبل واعد
وأكدت دراسة مركز “إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية” على ان النقل البحري يمثل العمود الفقري للتجارة الدولية والاقتصاد العالمي. وبالرغم من أن سلاسل الإمداد والتوريد لا تزال أمام تحديات، تستلزم ضرورة إنشاء مناطق لوجستية جديدة من شأنه أن يترك انعكاسات إيجابية على الاقتصاد الكلي، فضلاً عن زيادة القدرة على تحمل مخاطر الأزمات الدولية وانعكاساتها السلبية على سلاسل التوريد العالمية.