أكد أستاذ التاريخ العالمي في جامعة أكسفورد، البروفيسور بيتر فرانكوبان، أن دولة الإمارات تُعد النموذج العالمي الأكثر وضوحاً لمستهدفات طرق الحرير، وذلك لقدرتها على جمع ملايين الناس من مختلف أنحاء العالم، لخلق مستويات عالية من التبادلات التجارية والثقافية الحضارية، في مشهد مثالي يربط العوالم بعضها ببعض، مشدداً على أن دولة الإمارات حققت خلال الـ40 عاماً الأخيرة إنجازات في التحضّر والنمو يصعب مواكبتها عالمياً.
كما أشار فرانكوبان، خلال محاضرة ألقاها أول من أمس في مجلس محمد بن زايد، بحضور سمو الشيخ حامد بن زايد آل نهيان، إلى أن «نجاح الإمارات في جذب ملايين الأشخاص الذين يرغبون في صياغة المستقبل خلال العقود المقبلة، يعد أحد أهم التغيرات الدراماتيكية التي شهدها العالم خلال الـ100 عام الأخيرة»، متوقعاً أن يكون لدولة الإمارات دور أكبر في طرق التجارة الدولية المستقبلية، لما باتت تمتلكه من بنى تحتية وتكنولوجية متطورة جداً، جعلت الجغرافيا أقل أهمية لوجستياً من بعض النواحي.
وتفصيلاً، شهد سمو الشيخ حامد بن زايد آل نهيان، محاضرة نظّمها مجلس محمد بن زايد في قصر البطين، أول من أمس، تحت عنوان «طرق الحرير.. تطوّر التجارة بين الماضي والحاضر»، ألقاها أستاذ التاريخ العالمي في جامعة أكسفورد، البروفيسور بيتر فرانكوبان، وذلك بحضور عدد كبير من الشيوخ والدبلوماسيين وكبار المسؤولين.
وتوقع فرانكوبان أن يكون لدولة الإمارات دور أكبر في طرق التجارة الدولية المستقبلية، ليس لكونها تقع ضمن أحد مسارات العبور الرئيسة عالمياً فحسب، وإنما لما باتت تمتلكه من بنى تحتية وتكنولوجية متطوّرة جداً جعلت الجغرافيا أقل أهمية لوجستياً من بعض النواحي الأخرى، لافتاً إلى أن دولة الإمارات حققت إنجازات في التحضّر والنمو ليس من السهل مواكبتها.
وقال فرانكوبان: «ليس من المفاجئ أن الاستثمار في موانئ دبي وفي البنية التحتية يتيح ما كان أي قائد في الماضي يتمناه، وهو أنه إذا استطاع جعل شبكات الاتصال أسرع وأفضل، فإن الناس يمكنهم التحرك والمشاركة بسرعة أكبر، وبالتالي تنخفض الكلفة، وهو ما تقوم به دولة الإمارات التي تعمل على زيادة الاستثمار في البنية التحتية للدولة بشكل متواصل، وتنجز مشاريع عملاقة، مثل قطار الاتحاد الذي سيساعد بشكل كبير على تطوير وسرعة حركة النقل بين إمارات الدولة دون أزمات مرورية، ما يساعد في المحصلة على زيادة إنتاجية الدولة»، مؤكداً أن استمرار دولة الإمارات في توسيع وتحديث البنية التحتية يتيح للناس جودة حياة أفضل وأكثر فاعلية، كما يخفض الوقت المهدر إلى الحد الأدنى.
وتحدّث فرانكوبان عن تاريخ طرق الحرير والتبادلات التجارية والثقافية والحضارية التي انطلقت منها لتشكّل مجتمعاً عالمياً واحداً، قبل آلاف السنين من ظهور ما يسمى بـ«العولمة» بمفهومها الحديث، الذي استخدم التكنولوجيا لربط العالم بعضه ببعض، مشيراً إلى أن طرق الحرير في الماضي كانت الروابط التي تصل بين كل من آسيا وأوروبا وإفريقيا من خلال ممرات نقلت الناس والبضائع وأشياء مثل الطعام، كما نقلت أيضاً جينات البشر وحضاراتهم، وهو ما دفع الجغرافيين الألمان قبل نحو 200 عام إلى تسمية هذه الروابط بـ«طرق الحرير».
وقال إن «دولة الإمارات تمثل النموذج العالمي الأكثر وضوحاً حالياً لمستهدفات طرق الحرير، فبالنظر إلى أبوظبي ودبي سنجدهما تجمعان ملايين الناس من مختلف أنحاء العالم، لخلق مستويات عالية من التبادلات، ليس على مستوى البضائع والتجارة والاستثمار فحسب، وإنما أيضاً تبادل الأفكار واللغات والمعتقدات والأزياء والطعام، في مشهد مثالي يربط العوالم بعضها ببعض».
وأضاف: «في الماضي لم تكن طرق الحرير مهمة فحسب لربط إفريقيا وأوروبا وآسيا ببعضها، بل لعبت أيضاً دوراً في أحداث أخرى من التاريخ العالمي، أبرزها كان إعلان استقلال الولايات المتحدة في عام 1776، الذي يعد أهم حدث جيوسياسي في آخر 500 عام، ونمو روسيا لتصبح إمبراطورية ضخمة في وقت ما، وخلال الـ100 عام الأخيرة شهدنا تطورات جديدة، ربما كان أكثرها وضوحاً هنا في أبوظبي نفسها، التي ازدهرت ونمت في مزيج من التحولات بدأ باستغلال الوقود الأحفوري والطاقة، ثم تطور وتحول إلى التفكير في الخدمات المالية، وكيفية جعلها مدينة عالمية تجذب الأشخاص الذين يرغبون في صياغة مستقبل الدولة خلال العقود المقبلة».
ممر «الهند – أوروبا»
قال بيتر فرانكوبان: «لم يفاجئني الإعلان العام الماضي عن مشروع إنشاء ممر الهند – الشرق الأوسط – أوروبا الاقتصادي، برعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة (حفظه الله)، ومشاركة رئيس الولايات المتحدة الأميركية».
وأوضح أن «الفكرة الرئيسة هي أنه يجب أن تكون هناك طريقة نستطيع من خلالها العمل معاً، ومن ثم فإن إنشاء طرق الحرير يساعد البشر على التفكير في ما يحتاجونه وفي كيفية زيادة المنافسة وتشجيع العولمة، وفي كيفية تنحية الخلافات الإقليمية، بينما يتم التخطيط في الوقت ذاته لعالم يتغير بتقنيات جديدة».
إمبراطوريات الذكاء الاصطناعي
أكد البروفيسور بيتر فرانكوبان، أن التكنولوجيا الحديثة تسمح ببناء «إمبراطوريات جديدة»، مرتبطة بالتمويل والموارد، ومتعلقة بالسيطرة على التكنولوجيات. وقال: «أعتقد أن هناك شركات عالمية حالياً لها قيمة سوقية أكبر من العديد من الدول، لذا من نواحٍ معينة باتت تُعد إمبراطورية»، لافتاً إلى أن «التكنولوجيا تلعب دوراً مهماً في خلق هياكل سياسية واجتماعية وإمبراطوريات جديدة مختلفة الأنواع».
وأضاف: «عادةً ما يكون من الصعب كبح جماح الإمبراطوريات لأنها ترغب في الاستمرار بالتوسع، لذا أعتقد أنه لو سُئلت قبل خمس سنوات عن أكبر تحدٍّ وجودي للبشرية لكنت قلت إن المناخ وتغير المناخ، لكني أعتقد الآن أن الذكاء الاصطناعي على المستوى نفسه، بل وربما أعلى».
بيتر فرانكوبان: حققت الإمارات إنجازات في التحضّر والنمو ليس من السهل مواكبتها.