بيروت ـ ناصر زيدان
يحتاج الوضع الداخلي في لبنان إلى العناية الفائقة المركزة، ذلك أن الاحتقان بين المكونات المجتمعية والمجموعات السياسية المختلفة وصل إلى حدود غير مقبولة، وسط حالة من الضياع والتشتت فرضتها الأوضاع الناتجة عن الفراغ في سدة رئاسة الجمهورية وعن الحرب الدائرة في الجنوب بين المقاومة والعدوان الإسرائيلي.
الخطابات التي تبرز التباينات ظهرت إلى العلن، ووصلت إلى حد مطالبة قوى حزبية وشعبية بتطبيق النظام الفيدرالي، أو بتنفيذ لا مركزية إدارية ومالية موسعة، لا تقل من حيث نتائجها المستقبلية عن مآلات الفيدرالية، ويتبادل فرقاء الصراع السياسي اتهامات من الدرجة الأولى، مما يفاقم التشرذم والانقسام، والمبرر لهذه المواقف اعتقاد البيئة المسيحية ومعها جزء وازن من الأطراف الإسلامية بوجود مخطط لإلحاق لبنان بمحور الممانعة، وبالتالي تهميش سيادته واستقلاله وحياديته بالكامل.
ما جرى مع رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل قد يكون الصورة الأوضح عن التباعد الحاصل، وهو تعرض لحملة تخوين واتهام بالعمالة على نطاق واسع، لأنه تحدث عن الاختلاف مع حزب الله حول جر لبنان إلى حرب واسعة، وربط البلد بمحور خارجي، بينما تتعرض رموز المقاومة هي أيضا، ومنها أمين عام حزب الله، لحملة شعواء على وسائل التواصل الاجتماعي، تصل إلى حد اتهامهم بمصادرة قرار لبنان بالكامل وبالمغامرة بحياة اللبنانيين وبمستقبلهم.
وعلى الضفة الأخرى من التراشق، يصل التحريض على النازحين إلى حد دفع لبنانيين آخرين بالوقوف معهم، لأنهم يتعرضون في بعض البلدات لمضايقات لها طابع عنصري، برغم أن النزوح أصبح عبئ ثقيلا على لبنان، ولكن القسم الكبير من هؤلاء أجبروا بالقوة على الخروج من سورية، وعودتهم إليها من دون ضمانات أمنية تعني دفعهم نحو المحرقة والهلاك.
ومع الإنهاك الذي تعاني منه مؤسسات الدولة، تفرخ طفيليات مناطقية وبلدية وحزبية تهدد الوحدة الوطنية، إذا ما طال الفراغ الرئاسي أكثر، وإذا بقيت حكومة تصريف الأعمال على هذه الحال، لأن غالبية وزرائها ينتظرون الرحيل بفارغ الصبر، وهم جاؤوا إلى المواقع على سبيل الترضية والوجاهة والمحسوبية، وليسوا من المتمرسين على التضحية في الشأن العام. والشلل الحاصل في الدوائر الحكومية، لا يمكن احتماله لفترة أطول، ومصالح المواطنين معطلة، بينما القضاء يعاني في شغور كبير، والكلام عن الاختلال فيه لا يمكن إخفاؤه تحت جناح الحصانة، وما يقوله أهل ضحايا تفجير مرفأ بيروت كل يوم، يعطي صورة كافية عن هذا الاختلال.
بعض التعاون الذي يحصل على القطعة بين المكونات السياسية التي يتألف منها مجلسي الوزراء والنواب، لا يكفي لمعالجة التردي الحاصل، والبيئة السياسية والشعبية في الشارع المسيحي تحديدا، تغلي، وهي تعتبر أن إغفال مشاركة المسيحيين في مؤسسات الدولة، خطة مدبرة لتهميش هؤلاء والقضاء على دورهم المميز في لبنان والمنطقة. وقد شجع على هذه الرؤى الخطب الأسبوعية التي يدلي بها البطريرك الماروني بشارة الراعي ومتروبوليت بيروت للروم الأرثوذكس إلياس عودة.
الكلمات التي ألقيت في احتفالات الصلاة من أجل وحدة المسيحيين حملت مؤشرات واضحة عن الاحتقان الكبير الذي يسود على الساحة المسيحية، وكلام رئيس حزب القوات اللبنانية د.سمير جعجع الموجه ضد مواقف رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، رفضا لربط المسارات بين لبنان وغزة، ليس تفصيلا، وهناك جهات مسيحية أخرى رفعت الصوت ضد ما تقوله عنه مصادرة قرار الدولة وتهميش المسيحيين، ومنهم خاصة المجلس الوطني لثورة الأرز ولقاء سيدة الجبل و«المجلس الوطني لرفع الاحتلال الإيراني عن لبنان» وهذه المواقف تتفاعل في الساحة المسيحية، بينما جبهة الجنوب تغلي، والعدوان الإسرائيلي يتفاقم، ويسقط شهداء في كل يوم.
يحتاج لبنان المكبل بالأزمات الوازنة، وأكثر من أي وقت مضى، إلى عقلاء يجنبونه ما أمكن الانزلاق إلى حرب واسعة في الجنوب، ويساهمون في تخفيف الاحتقان الداخلي المخيف.