مع اقتراب الذكرى السنوية الثانية للحرب، تجد كييف صعوبة شديدة في فرض سيادتها على ساحة المعركة، ومع تلاشي الآمال في النصر الوشيك، تجاهد البلاد للحيلولة دون خسارة المزيد من الأراضي. وابتداءً من الرئيس فلوديمير زيلينسكي إلى قادته العسكريين وسكان القرى التي تعرضت للقصف، لا أحد يعرف عدد سنوات الحرب الأخرى التي سيتعين على أوكرانيا أن تعيشها قبل أن تطرد روسيا من أراضيها وتوقفها عن قصف مدنها.
يقول القائد العسكري والنائب وعضو لجنة الأمن القومي والدفاع والاستخبارات في البرلمان الأوكراني، العقيد رومان كوستينكو: «في الوقت الحالي النصر في ساحة المعركة أمر مستبعد للغاية. هذه الحرب يمكن أن تستمر لسنوات وسنوات». ويضيف: «لدى روسيا الموارد اللازمة لذلك، وسوف يتحمل شعبها ذلك».
ويتسم المزاج العام بالقبول المتجهم بالواقع بدلاً من الانهزامية. وفي الوقت الذي لا يوجد فيه حديث عن الاستسلام لروسيا فإن الأجواء مختلفة تماماً عما كانت عليه في مثل هذا الوقت من العام الماضي، عندما أدت سلسلة من النجاحات المذهلة التي حققها الجيش الأوكراني في شرق البلاد وجنوبها إلى زيادة الآمال في تحقيق انتصار سريع، ومع ذلك فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يبدو آمناً في الداخل ومفعماً بالثقة الجديدة، يتطلع إلى المستقبل.
استعداد للأسوأ
يقول أصغر عضو في البرلمان الأوكراني، سفياتوسلاف يوراش، البالغ من العمر 27 عاماً: «يجب أن نأمل في الأفضل، ولكن في الوقت نفسه نستعد للأسوأ». ويضيف بعد عودته إلى كييف من الجبهة للتصويت في البرلمان: «عندما ترى الخطوط الأمامية، وعندما ترى الخسائر التي نتعرض لها، والمعارك التي نضطر لخوضها في كل خطوة على الطريق، يبدو من الواضح أننا سنظل هنا لفترة طويلة».
وكثفت موسكو إنتاج الأسلحة، حيث تعمل المصانع على مدار الساعة لإنتاج الأسلحة، كما نجح «الكرملين» في تجديد قواته من خلال التعبئة وحملة التجنيد العسكري، على الرغم من تكبده خسائر فادحة يعتقد أنها تعادل 90% من حجم القوات التي دخلت أوكرانيا العام الماضي.
ويقول جنرالات أوكرانيون هذا الأسبوع إن روسيا تشن هجوماً في شرق البلاد، وإن القوات اضطرت إلى تقليص بعض العمليات العسكرية بسبب نقص المدفعية. ويقول يوراش: «لا يمكننا الرد على العمليات التي يشنها الروس علينا. إنه أمر مؤلم للغاية».
الحلفاء يتباطؤون
وتتكتم الحكومة الأوكرانية على حجم الخسائر في المعركة، لكن لم تعد هناك أي محاولة لإخفاء ضخامة الخسائر. ويقول كبير مستشاري زيلينسكي، ميخايلو بودولياك، كان من الممكن أن يكون المستقبل القريب أكثر إشراقاً بالنسبة لأوكرانيا لو سارعت الدول الغربية لتزويد كييف بالمساعدة العسكرية التي تحتاجها. ويقول خلال مقابلة أجريت معه في مكتبه: «عندما نتلقى وعوداً بإرسال كمية معينة من سلاح معين في غضون شهر، فإن الأمر يستغرق ثمانية أشهر، وخلال تلك الأشهر الثمانية ليس لدينا ما يمكننا القيام به فعلياً من عمليات».
ويضيف بودولياك إن الديمقراطيات الغربية مازالت تفشل في إدراك التهديد الذي يشكله بوتين على الأمن الدولي بشكل كامل، محذراً من أن الوضع سيكون «مهيناً» للولايات المتحدة إذا انتصر «الكرملين» في أوكرانيا. ولم يُخف إحباطه من تأخير واشنطن في الموافقة على مساعدات عسكرية جديدة لأوكرانيا تبلغ قيمتها 60 مليار دولار بعد اعتراضات من بعض أعضاء الحزب الجمهوري، كما أصبح مستقبل المساعدة العسكرية من الاتحاد الأوروبي موضع تساؤل بعد أن اعترضت المجر، أقرب حلفاء روسيا في القارة، على حزمة بقيمة 50 مليار يورو.
ويقول إن «البلاد سوف تتمزق بأكملها أمام أعيننا إذا لم يتم التوصل إلى حل، وسوف يبكي الغرب جميعاً ويقولون: نشعر بالأسف الشديد على الأوكرانيين الذين ليس لديهم الآن دولة خاصة بهم لأنهم تعرضوا للمذبحة في أوكرانيا». ويختتم بقوله متهكماً: «دعونا نُقم لهم حفلاً موسيقياً».
روسيا تتفوق
وزير الدفاع الأوكراني، رستم عمروف، قال هذا الأسبوع إنه لا يعتقد أن واشنطن ستتخلى عن كييف في معركتها ضد «قوى الشر»، ومع ذلك قال كوستينكو، وهو قائد يقاتل في منطقة خيرسون، إنه يشك في أن أي أسلحة غربية يمكنها الآن طرد قوات بوتين من خطوطها الدفاعية شديدة التحصين. ويضيف: «لا أعتقد أن هناك أي سلاح في الوقت الحالي يمكن أن يكون له تأثير قوي على نتيجة الحرب، ولا تستطيع أنظمة الصواريخ التكتيكية العسكرية تحقيق اختراق، أما الطائرات فلا يمكنها إلا مساعدتنا في تحقيق التكافؤ. قيل لنا إننا سنحصل على طائرات إف-16، لكن هذه الطائرات تعود إلى السبعينات، ولدى روسيا مئات من المقاتلات من الجيل الرابع». ويختم بقوله: «لا أفهم من الذي يخطر في باله أننا قادرون على هزيمة روسيا بعشرات من طائرات إف-16».
وعلى الرغم من إصرار كوستينكو على أن الحملة العسكرية الأوكرانية هذا العام كانت ناجحة، بالنظر إلى الحقائق على الأرض، فإنه قال إن هدف كييف الواقعي للعام المقبل يجب أن يكون تجنب خسارة المزيد من أراضيها وتنفيذ أكبر عدد ممكن من الضربات ضد البحرية الروسية والقوات البرية. ويقول كوستينكو: «لا يمكننا أن نتحمل تكاليف القتال بشكل متماثل مع الروس، أو شن هجمات مثل الروس، أو خسارة أشخاص مثل الروس، أو تجنيد أشخاص مثلهم»، مسترسلاً: «نحن بحاجة إلى البحث عن طرق نقلل بها خسائرنا البشرية بـ10 مرات عما يخسره الروس».
وقال زيلينسكي في مؤتمره الصحافي السنوي يوم الثلاثاء إن الجيش الأوكراني طلب تعبئة 500 ألف مدني إضافي لمواجهة الهجمات الروسية. في بداية الحرب العام الماضي، كانت هناك طوابير طويلة أمام مكاتب التجنيد العسكرية، حيث سعى المواطنون للتسجيل للقتال، واليوم قُتل أو جُرح العديد من هؤلاء المتطوعين الأوائل أو أصبحوا ببساطة منهكين، وتكافح أوكرانيا من أجل استبدالهم. ويقول المحلل السياسي الأوكراني، فولوديمير فيسينكو: «إن التعبئة تمثل تحدياً كبيراً للغاية. العديد من الأوكرانيين وطنيون لكنهم في الوقت نفسه يخشون على أقاربهم وأطفالهم ولا يريدونهم أن يقاتلوا».
خلافات الأوكرانيين
في كييف الحياة عبارة عن مزيج سريالي من إيقاعات الحياة اليومية لمدينة كبيرة تتخللها لحظات من الرعب؛ نهاراً تقام معارض عيد الميلاد ذات الأضواء المتلألئة والحشود الضاحكة والمقاهي المزدحمة والاختناقات المرورية، وفي الليل تنطلق صفارات الإنذار للغارات الجوية مع تكثيف روسيا قصفها بعد أشهر من الهدوء النسبي. في الأسبوع الماضي استيقظت المدينة عند الساعة الثالثة صباحاً عندما أسقطت الدفاعات الجوية في كييف 10 صواريخ باليستية روسية، واصطدم الحطام المحترق من أحدها بمبنى سكني، ما أدى إلى إصابة أكثر من 50 شخصاً، وفي ليلة الخميس ضربت طائرات روسية بدون طيار مرة أخرى الشقق، ما أدى إلى اندلاع حرائق وإصابة شخصين. وما يزيد من هذا المزيج شائعات عن وجود خلاف بين زيلينسكي وقائد القوات المسلحة، الجنرال فاليري زالوزني، الذي يعتبر أكثر شعبية من الرئيس، وفقاً لأحدث استفتاء للرأي. ويرى بعض الأوكرانيين أن زالوزني هو الرئيس المستقبلي، على الرغم من أن الجنرال لم يُعط أي إشارة بأن لديه طموحات سياسية.
هدف كييف الواقعي للعام المقبل يجب أن يكون تجنب خسارة المزيد من أراضيها، وتنفيذ أكبر عدد ممكن من الضربات ضد البحرية الروسية والقوات البرية.
كثفت موسكو إنتاج الأسلحة، حيث تعمل المصانع على مدار الساعة، كما نجح «الكرملين» في تجديد قواته من خلال التعبئة وحملة التجنيد العسكري.
عن «التايمز» اللندنية