آدم كينزينجر*
يستعيد الأوكرانيون ببطء الأراضي التي فقدوها لصالح روسيا منذ أن بدأت الحرب الروسية في أوكرانيا في فبراير 2022. ففي الأسبوع الماضي أدى هجوم بطائرة بدون طيار إلى شلّ سفينة حربية روسية مهمة. والآن تريد أغلبية الأميركيين، وعدد أكبر من الجمهوريين، التخلي عن دعم أوكرانيا في مواجهة روسيا، وفقاً لاستطلاع جديد أجرته شبكة «سي إن إن». إنها فكرة سيئة أن يفعل حزب ريغان (نسبة للرئيس الراحل رونالد ريغان) ذلك في أسوأ لحظة من لحظات الحرب في أوكرانيا.
في استطلاع أجرته «سي إن إن» ونُشر يوم الجمعة قبل الماضي، قال 55% من جميع المستجيبين، إن على الكونغرس أن يتوقف عن السماح بتقديم مساعدات عسكرية جديدة لكييف. والأسوأ من ذلك – من وجهة نظري – هو تلك الحقيقة المخزية المتمثلة في أن الجمهوريين يفضّلون – على الأرجح – إنهاء المساعدة أكثر من الديمقراطيين.
وكشف الاستطلاع أن 71% من الجمهوريين أخبروا منظمي استطلاعات الرأي بأن الكونغرس يجب أن يتوقف عن إرسال مزيد من المساعدة، بينما يفضل 62% من الديمقراطيين إرسال مزيد من التمويل لأوكرانيا، وتكشف نتائج الاستطلاع أن الكثيرين في الحزب الجمهوري سيديرون ظهورهم لأصدقائهم الذين يخاطرون بحياتهم في الكفاح من أجل الديمقراطية. وبدأوا يفعلون ذلك فقط عندما بدأ الأوكرانيون في إخراج الروس من المناطق التي سيطروا عليها في وقت مبكر من الحرب، ويمكن أن يمثل ذلك إحباطاً كبيراً لجيش ودولة قاتلت ببسالة منذ نحو 18 شهراً، وتعتمد على المساعدات الأميركية.
يبدو أن هناك عاملين يلعبان دوراً هنا، الأول هو التقدم البطيء الذي تحرزه أوكرانيا في ساحة المعركة، فقد تحطمت الآمال في أن يؤدي هجوم كييف المضاد الصيفي إلى استعادة قواتها مساحات شاسعة من الأراضي ضد واقع التحصينات الروسية، وبدلاً من «الصدمة والرعب» نشهد حرب خنادق، كما كان عليه الحال في الحرب العالمية الأولى.
العامل الثاني الذي يؤثر في المشاعر الجمهورية يمكن أن نسميه «تأثير ترامب»، الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب، الذي يخوض الآن حملة للعودة إلى البيت الأبيض، حيث يهيمن على وعي الحزب لدرجة أن شكوكه بشأن المساعدات الأوكرانية كان لها تأثير هائل في الجمهوريين ككل.
فقبل دونالد ترامب لم يكن الجمهوريون من النوع الذي يتخلى عن القتال من أجل ديمقراطية شريك استراتيجي، ما يمنح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين انتصاراً محتملاً، فقد كنا نحن أبناء الحزب ضمن محاربي الحرب الباردة الذين تسببوا في انهيار الاتحاد السوفييتي.
ومع ترامب الذي احتضن بوتين، يتعلم بعض الجمهوريين التخلي عن دور أميركا كحصن للديمقراطية والحرية، فهؤلاء الجمهوريون يختارون – بدلاً من ذلك – الانعزالية المأساوية لأولئك الذين عارضوا الانضمام إلى القتال ضد الزعيم النازي أدولف هتلر. في ذلك الوقت، كان للإذاعي الكاهن تشارلز كوغلين صوت قوي بيّن «للحث على محاربة الشيوعيين الأشرار»، واليوم يجد الجمهوريون الراحة في قناة «فوكس نيوز».
صاغ ترامب موقفه بطريقة نموذجية في نهجه الصغير في السياسة، وقال إنه سيهدد بوقف تمويل الحرب للحصول على وثائق من التحقيق الفيدرالي في المعاملات التجارية التي كان يجريها نجل الرئيس جو بايدن، هانتر بايدن مع أوكرانيا. وقال ترامب الشهر الماضي إنه يتعين على الولايات المتحدة «ألا تسمح بشحنة إضافية واحدة من مخزونات الأسلحة المستنفدة لدينا لصالح أوكرانيا»، إلى أن يسلم «مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة العدل، ومصلحة الضرائب الداخلية» الأدلة في تحقيق عائلة بايدن للجمهوريين في الكونغرس. كما قال إنه يجب على الولايات المتحدة إعطاء الأولوية لسلامة المدارس بدلاً من إرسال المساعدات لأوكرانيا.
أن تكون هناك علاقة بين سلامة المدارس والتحقيق مع هانتر بايدن ومساعدة أوكرانيا، فذلك إنما هو فكرة سخيفة ظاهرياً، لكن بإدلائه بهذه التصريحات، ضغط الرئيس السابق على مسألتين ساخنتين من شأنهما جذب انتباه أتباعه. ومن وجهة نظري الجمهورية المحافظة، أجد أنه من اللافت للنظر – كما أظهر استطلاع «سي إن إن» – أن الديمقراطيين يقفون بثبات خلف أوكرانيا، إنه يعكس اتجاهاً طويل الأمد حيث أصبح اليسار أكثر ارتياحاً للجيش الأميركي.
ففي عام 2022 أشار أستاذ العلوم السياسية في كلية سوارثمور، دومينيك تيرني، في مجلة «ذي أتلانتيك» إلى أنه خلال إدارة ترامب، تبنى الديمقراطيون وجهة نظر أكثر إيجابية عن الجيش، لأنه وقف مع حكم القانون والتقاليد. حجة تيرني تخمينية، لكنني أميل إلى الاتفاق معه، وبالتأكيد يشير استطلاع «سي إن إن» إلى مستوى قابل للقياس من الدعم الديمقراطي للحلول العسكرية للأزمات الجيوسياسية.
وبصفتي عضواً سابقاً في الكونغرس ظل الجيش يركز على التزامات الولايات المتحدة في الخارج، وأيضاً بصفتي طياراً في الحرس الوطني الجوي خدم في حربي العراق وأفغانستان، فقد رأيت كيف تساعد أميركا في تحقيق الاستقرار في العالم بطريقة لا يقدّرها الانعزاليون.
من خلال المعاهدات والمساعدات الخارجية والتجارة، نساعد الآخرين على تطوير مجتمعات قوية ومزدهرة، كانت مساعداتنا العسكرية المباشرة حيوية بشكل خاص في أفغانستان، حيث عادت طالبان القمعية إلى السلطة في غيابنا، وانسحابنا كان سيئاً لشعب أفغانستان وللعالم.
قال حاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتيس، المنافس الرئيس لترامب في ترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة لعام 2024، في مارس، إن أميركا ليست لها مصلحة حيوية في أوكرانيا، ووصف الحرب بأنها «نزاع إقليمي». تراجع ديسانتيس عن التعليقات على النزاع الإقليمي، لكن كما اعتقد، حيث يدرك ناخبو الحزب الجمهوري أنه متشكك بشأن تمويل الحرب.
وقد يجنبه هذا الموقف صيحات الاستهجان التي تلقاها منافس ترامب الآخر، نائب الرئيس السابق مايك بنس، الشهر الماضي عندما قال أمام تجمع محافظ في ولاية أيوا، إنه يؤيد مساعدة أوكرانيا. كان حاكم ولاية نيو جيرسي السابق كريس كريستي في كييف يوم الجمعة الماضي، حيث أظهر دعمه للقتال، ومع ذلك فمن غير الواضح ما إذا كان هناك من يستمع إليه.
المعارضة الرسمية للمساعدات الأوكرانية هي الأكثر أهمية في الكونغرس والتي تلعب دوراً في ما يحدث لتدفق المساعدة. وفي يوليو، صوّت 70 من أعضاء مجلس النواب الجمهوريين لعزل كييف تماماً. وهذا الرقم لا يكفي لتغيير الأمور حتى الآن، لكن المعارضين يأتون من الجناح اليميني المتطرف للحزب الذي يلعب دوراً كبيراً في الانتخابات التمهيدية، وتعني هذه القوة أنه يتم الضغط على المرشحين للانضمام إلى الحشد المناهض للمساعدات.
ومع فقدان قادة الحزب الجمهوري الثقة بالنضال من أجل الديمقراطية، أرى مثالاً آخر على كيفية اختفاء النزعة المحافظة التي كنت أعرفها من قبل والتي اعتمدت عليها أميركا. فقد ذهب حزب ريغان الذي كان راسخاً في موقفه ضد الاستبداد، وحل مكانه حزب جمهوري يبدو محصناً ضد حاجة العالم إلى القيادة الأميركية، وغير مهتم بمعاناة بلد يجب أن نساعده حتى ينتهي القتال.
• في استطلاع أجرته «سي إن إن»، قال 55% من المستجيبين، إن على الكونغرس أن يتوقف عن السماح بتقديم مساعدات عسكرية جديدة لكييف. والأسوأ من ذلك – من وجهة نظري – هو تلك الحقيقة المخزية المتمثلة في أن الجمهوريين يفضلون – على الأرجح – إنهاء المساعدة أكثر من الديمقراطيين.
• تكشف نتائج الاستطلاع أن الكثيرين في الحزب الجمهوري سيديرون ظهورهم لأصدقائهم الذين يخاطرون بحياتهم في الكفاح من أجل الديمقراطية. وبدأوا يفعلون ذلك فقط، عندما بدأ الأوكرانيون في إخراج الروس من المناطق التي سيطروا عليها في وقت مبكر من الحرب.
*كبير المعلقين في قناة «سي إن إن»