أصدر قضاة بالمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي مذكرة توقيف الشهر الماضي، بحق الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بشأن مزاعم بارتكاب جرائم حرب.
ويشتبه في أن بوتين مسؤول عن ترحيل أطفال أوكرانيين من أراض محتلة إلى روسيا. وقالت المحكمة إنها تتعامل بناء على طلب مقدم من المدعي العام كريم خان.
وكانت تلك هي أول مذكرة توقيف صادرة عن المحكمة في ما يتعلق بجرائم حرب مشتبه بها في أوكرانيا.
وتقول الباحثة، صوفي ليلي ستوفيل، التي تعمل في مجال السياسة الخارجية والأمنية وتتخصص في مجال الأطفال في النزاعات، والباحث، فلاديسلاف والاس، الذي يعمل في الدبلوماسية الأميركية والسياسة الخارجية، ويتخصص في المسائل المتعلقة بأوراسيا مثل حقوق الإنسان والديمقراطية، في تقرير نشرته مجلة «ناشيونال إنتريست» إن قرار المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرة توقيف بحق بوتين بتهمة اختطاف أطفال أوكرانيين هو قرار رائد، فالقضية لم تحظ تقريباً باهتمام عام كاف. وبالإضافة إلى أهميته بالنسبة لحقوق الإنسان والملاحقة الجنائية، فإن الإبعاد غير القانوني للأطفال الأوكرانيين يكشف أيضاً عن نية روسيا في محو هوية الأوكرانيين والقضاء على الدولة الأوكرانية.
ويرى الباحثان أن أي تسوية سلمية ستظل غير مجدية ما لم تتمكن من ضمان المساءلة عن عمليات الاختطاف وعودة جميع الأطفال الأوكرانيين. ومادام العنف ضد الأطفال دون معالجة، فإن احتمال تحقيق سلام مستدام ضئيل.
استهداف منذ البداية
واستهدفت روسيا الأطفال منذ بداية الحرب. ووفقاً لتقديرات باحثي جامعة ييل والحكومة الأوكرانية، تم نقل ما بين 6000 و14 ألف طفل أوكراني قسراً إلى روسيا منذ فبراير 2022. ومن السهل العثور على قصص مروعة عن عمليات الاختطاف هذه، وإن كان ذلك فقط لأولئك المحظوظين بما يكفي لإنقاذهم.
ويقول الباحثان إن أحد هؤلاء هو أولكسندر (12 عاماً) والذي نجا بأعجوبة من التبني القسري، بعد أن فصله الجنود الروس عن والديه، وذلك بفضل مهمة إنقاذ من جانب جدته عبر بولندا، وليتوانيا، ولاتفيا، وروسيا. لكن الآلاف من الأطفال الآخرين لم يحالفهم الحظ.
وفي الوقت نفسه، فإن حجم العنف ضد الأطفال في أوكرانيا مذهل. وفي مارس 2022، قتلت غارة جوية روسية على مسرح في ماريوبول كان مكتوباً عليه كلمة
«أطفال» بأحرف حمراء كبيرة على سطحه، حوالي 600 مدني.
وتضرر ما يقرب من واحد من كل 10 مستشفيات في أوكرانيا من قبل الروس، وغالباً ما يتم قصف أجنحة الولادة ومستشفيات الأطفال. وتضررت أو دمرت أكثر من 2500 مدرسة. والعديد من الأطفال هم من بين ضحايا العنف الجنسي الخطير، وعمليات الإعدام في المناطق المحتلة، ويتم استهدافهم عمدا في فظائع مثل بوشا، وفقاً للباحثين.
ولا يعاني الأطفال بمجرد الصدفة، ولا هي مجرد أضرار جانبية، فهذا مخطط محسوب ومنهجي. ويرمز الأطفال إلى مستقبل المجتمع ويمثلونه عالمياً، من حيث العرق والثقافة والهوية.
حدث متكرر
ويقول الباحثان إنه على هذا النحو، فإن «اختطاف الأطفال وتشويههم وذبحهم يحدث بشكل متكرر في الحروب والإبادة الجماعية في جميع أنحاء العالم».
وتنص اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1948 لمنع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، صراحة، ولسبب وجيه، على النقل القسري للأطفال واستهدافهم كتكتيك للإبادة الجماعية.
وما قد يبدو للوهلة الأولى قضية حقوق إنسان بحتة يظهر في الواقع أن روسيا تتبع استراتيجية كبرى لـ«إضفاء الصبغة الروسية» على أوكرانيا من خلال أي وسيلة تراها ضرورية، وصولاً إلى تكتيكات الإبادة الجماعية. ويمكن تتبع هذا الجهد إلى الاتحاد السوفييتي والإمبراطورية الروسية. وتسلط الاستمرارية التاريخية لمثل هذه الاستراتيجية الضوء على التزام روسيا بإنكار وجود الأوكرانيين.
ويقول الباحثان إن أنماط العنف الموثقة ضد الأطفال الأوكرانيين والطبيعة المنهجية لعمليات الاختطاف تؤكد تحليلهما للنوايا الاستراتيجية. وعلى الرغم من أن القانون الروسي يحظر التبني الأجنبي، وقع بوتين مرسوماً في مايو 2022 يسهل عملية «التبني» للأطفال الأوكرانيين، حتى أن هناك حافزاً مالياً يصل إلى ألف دولار للروس الذين يأخذون طفلاً أوكرانياً، ويفرضون الجنسية الروسية عليه. وفي غضون ذلك، تحتجز روسيا الأطفال المختطفين في معسكرات، حيث يخضعون لإعادة التثقيف السياسي، وليس هناك نهاية في الأفق.
سؤال مهم
وكل هذا يثير سؤالاً مهماً، هو كيف يمكن لروسيا أن تكون شريكاً تفاوضياً جديراً بالثقة؟ وبغض النظر عن جميع الحجج الصحيحة الأخرى، فإن استراتيجية روسيا في التعامل مع الأطفال الأوكرانيين تثبت أن هناك ما هو أكثر من مجرد النزاعات على الأراضي. يجب أن يكون العنف ضد الأطفال جزءاً من أي تحليلات أمنية مستقبلية، بما يضمن تحديد النطاق الكامل لإجراءات روسيا ضد أوكرانيا. وفي النهاية، يعود القرار لأوكرانيا في موعد التفاوض، ولكن في الوقت الحالي، يبدو التوصل إلى حل وسط عملي أمراً مستبعداً للغاية. ولا يمكن للحكومة الأوكرانية أن تسمح لروسيا بمحو أوكرانيا ولو حتى «قليلاً».
ويخلص الباحثان إلى أنه لكي تكون التسوية السلمية مجدية، يجب إدراج مسألة الأطفال في صدارة المفاوضات. وينبغي وضع المساءلة الجنائية والعودة السريعة لجميع الأطفال الأوكرانيين كشروط مسبقة للعودة إلى طاولة المفاوضات. ودون معالجة اختطاف روسيا للأطفال بشكل صحيح، من المرجح أن تتضاءل فرص التوصل إلى اتفاق سلام مستدام بسبب ما يترتب على ذلك من معارضة من الشعب الأوكراني والمجتمع المدني.
• أي تسوية سلمية ستظل غير مجدية ما لم تتمكن من ضمان المساءلة عن عمليات الاختطاف وعودة جميع الأطفال الأوكرانيين.
• تضرر ما يقرب من واحد من كل 10 مستشفيات في أوكرانيا من قبل الروس، وتضررت أو دمرت أكثر من 2500 مدرسة.
• اختطاف الأطفال وتشويههم وذبحهم يحدث بشكل متكرر في الحروب والإبادة الجماعية في جميع أنحاء العالم.