يرى الدبلوماسي الأميركي مارك جرين أن أسباب الهجرة إلى الولايات المتحدة لم تعد قاصرة على التدفق التقليدي للمهاجرين من المكسيك عبر الحدود، بل أصبحت عوامل عدم الاستقرار في دول أخرى فضلاً عن الكوارث الطبيعية والانفلات الأمني، تشكل دافعاً كبيراً للبحث عن الأمان في أميركا.
ويقول جرين الذي عمل سابقاً سفيراً لأميركا لدى تنزانيا، في تقرير نشره مركز ويلسون للدراسات، إنه في عام 2023 وللمرة الأولى على الإطلاق، نشأت غالبية «مواجهات المهاجرين غير الشرعيين» على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك من خارج المكسيك والمثلث الشمالي.
ويضيف جرين الذي يترأس مركز ويلسون للدراسات، أنه عندما يتعلق الأمر بالتغطية الإعلامية للهجرة، خصوصاً الهجرة عبر الحدود الجنوبية للولايات المتحدة، تميل وسائل الإعلام الأميركية إلى التركيز فقط على الأرقام الإجمالية.
وتابع أنه من السهل أن نفهم السبب، ففي السنة المالية 2023 كان هناك ما يقرب من 2.5 مليون «مواجهة غير نظامية» على الحدود الأميركية المكسيكية، وهذا هو المصطلح الذي تستخدمه هيئة الجمارك وحماية الحدود الأميركية في الإشارة إلى الطرد والاعتقالات للمهاجرين.
وكسر هذا رقم السنة المالية 2022 البالغ 2.2 مليون، الذي بدوره كسر الرقم السابق للسنة المالية 2021 البالغ 1.6 مليون، ولكن القصة الأكثر إثارة هي مكان أصل تلك الهجرة وكيفية تحولها بسرعة.
وفي عام 2023 وللمرة الأولى على الإطلاق كان أكثر من نصف الأشخاص الذين وصلوا إلى الحدود الأميركية المكسيكية قد أتوا من خارج المكسيك ودول المثلث الشمالي، وهي هندوراس وغواتيمالا والسلفادور. وفي عام 2020، وفقاً لتحليل معهد سياسات الهجرة لبيانات هيئة الجمارك وحماية الحدود الأميركية، كانت نسبة المهاجرين الذين يأتون من خارج تلك الدول الأربع تبلغ 12% فقط.
ويقول جرين إنه لطالما اعتبر الكثيرون في الولايات المتحدة أن معظم المهاجرين غير الشرعيين القادمين إلى الولايات المتحدة هم من المكسيك، وكان ولايزال صحيحاً أن المكسيك هي البلد الذي يأتي منه أكبر عدد من هؤلاء المهاجرين، ولكن في السنة المالية 2023، كان المواطنون المكسيكيون يشكلون فقط 23% من مواجهات المهاجرين غير النظاميين على مستوى البلاد، وبشكل إجمالي بلغ إجمالي مواجهات الأفراد القادمين من دول المثلث الشمالي 500 ألف و723 مواجهة في السنة المالية 2023، وهو انخفاض بنسبة 36% عن السنة المالية 2021 إلى نحو 16% من إجمالي المواجهات.
أزمات وكوارث
من أين يأتي المهاجرون غير النظاميين إذاً؟ تتغير الأرقام من عام إلى عام وتعتمد على عوامل خارجية مثل النزاعات والكوارث الطبيعية والانكماش الاقتصادي والجريمة والقمع السياسي.
ويقول جرين إنه كانت هناك موجات من الكوبيين اليائسين الذين يهربون من حملات القمع الحكومي من جانب كاسترو وخلفائه، وبين عامي 2022 و2023 قدم ما يقرب من 500 ألف كوبي طلبات لجوء إلى الولايات المتحدة والمكسيك، أي أكثر من 4% من سكان الجزيرة، وكانت هناك موجات من الهايتيين الذين يحاولون الهروب من العنف والفوضى الاقتصادية التي خلقتها حالات عدم الاستقرار السياسي وتفشي العصابات، وكانت هناك موجات من المهاجرين الذين يتجهون إلى الحدود الأميركية المكسيكية من المثلث الشمالي يدفعهم جزء كبير منها الأزمات الاقتصادية والكوارث الطبيعية، ومن الصدأ الذي أفسد محاصيل البن إلى الأعاصير والفيضانات الأكثر قوة، وصولاً إلى الجريمة وعدم الأمان.
ولكن في السنوات القليلة الماضية، كان المهاجرون يجيئون بشكل متزايد من أماكن أبعد من ذلك بكثير. ويقول جرين إنه بحلول عام 2023 كان الفنزويليون الفارون من فساد وسوء إدارة نظام الرئيس نيكولاس مادورو، ثاني أكبر جنسية من بين مواجهات المهاجرين على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، كما ارتفعت أعداد البيروفيين والكولومبيين والكوبيين والإكوادوريين مع قيام المزيد من الأفراد بالرحلة الخطيرة عبر منطقة دارين، وهي امتداد ضيق للغاية للغابة البرية بين كولومبيا وبنما، والأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أن الدول التي تبعد آلاف الأميال عن الحدود بدأت تسهم بأعداد كبيرة من المهاجرين، ففي قافلة المهاجرين الأخيرة التي تضم أكثر من 7000 شخص والتي تشق طريقها عبر المكسيك، زعم الأفراد أنهم ينحدرون من 24 دولة مختلفة، بما في ذلك إيران وتركيا وسورية والكاميرون.
كما أن عدد طالبي اللجوء من الصين يتجه نحو الارتفاع منذ فبراير 2023، حيث تم تسجيل أكثر من 52 ألف حالة في السنة المالية 2023، و14 ألف حالة إضافية منذ بداية السنة المالية الجديدة. وتعد الولايات المتحدة إلى حد بعيد أكبر وجهة للصينيين الباحثين عن اللجوء، بدافع الرغبة في الهروب من الحملة على المجتمع المدني والحريات الفردية التي تراوح ما بين التعبير والدين. ويشير جرين إلى ارتفاع مماثل في عدد المهاجرين من الهند بعد تناقص الحماية للمسيحيين والمسلمين والسيخ في 2023، إذ كانت هناك قرابة 42 ألف حالة على طول الحدود الجنوبية للولايات المتحدة من المواطنين الهنود، بزيادة قدرها 128% عن 2022.
التحول مهم
ويضيف جرين أنه «مع قيام أوروبا بالحد من الهجرة غير النظامية، بما في ذلك من خلال إقرار ميثاق الاتحاد الأوروبي بشأن الهجرة واللجوء أخيراً، يفر المزيد من اللاجئين والمهاجرين في جميع أنحاء القارة الإفريقية إلى نيكاراغوا ثم يسافرون إلى حدودنا سيراً على الأقدام».
ويتساءل: «لماذا هذا التحول مهم؟»، ويقول إنه من المرجح أن تثبت بعض أدوات السياسة التي نستخدمها في محاولة للسيطرة على الهجرة أنها غير كافية، حيث لدينا اتفاقيات إعادة إلى الوطن مع المكسيك ودول أميركا الوسطى.
ويختم جرين بالقول: «لقد سمعت ذات مرة زعيماً سياسياً يقول إننا في كثير من الأحيان نطلق مبادرات لتقصي الحقائق عندما نحتاج حقاً إلى مبادرات تواجه الحقائق. وتتصارع الولايات المتحدة والمكسيك مع تحديات الهجرة والنزوح. وبمعنى آخر حان الوقت لمواجهة الحقائق، والعمل على معالجتها».
500000 كوبي طلبوا اللجوء إلى الولايات المتحدة والمكسيك بين عامي 2022 و2023.
. مع قيام أوروبا بالحد من الهجرة غير النظامية بدأ المزيد من المهاجرين في إفريقيا يفرون إلى نيكاراغوا ثم يسافرون إلى الحدود الأميركية سيراً على الأقدام.
. في عام 2023 كان أكثر من نصف الأشخاص الذين وصلوا إلى الحدود قد أتوا من خارج المكسيك ودول المثلث الشمالي.