يسعى السكان البيض في غرينادا لتعويض الأخطاء التي ارتكبها أسلافهم، والتي تتمثل في استعباد الأفارقة، والإثراء من ورائهم، وشكّل البيض في هذه الجزيرة الكاريبية لجنة أطلقوا عليها لجنة التعويضات الوطنية، التي تحاول إصلاح وضع فرضته العبودية لقرون عدة، وكان رئيس اللجنة، أرلي جيل، يعتقد أن التدابير ستكون معقدة، وتستغرق جهداً كبيراً، ولكن بعد عامين فقط من تأسيسها، نجحت فرقة العمل في الرد على مكالمات من أفراد من جميع أنحاء العالم، يتطلعون إلى إصلاح ما اقترفه أسلافهم الذين استفادوا من العبودية في غرينادا.
في حالة غرينادا، بدأ الزخم باعتذار علني من الصحافية السابقة في «بي بي سي»، لورا تريفليان، وعائلتها، في فبراير، في حفل أقيم في الجزيرة. واعتذرت عائلتها عن استعباد أجدادها للأفارقة في غرينادا، والإثراء من وراء ذلك، وتعهدت بمساهمة أولية قدرها 100 ألف جنيه إسترليني (130 ألف دولار) من أجل التعليم في الجزيرة. يقول جيل: «لقد فُتحت الأبواب أمام الناس ليشعروا براحة الضمير».
في أبريل، شاركت تريفليان والصحافي أليكس رينتون في تأسيس منظمة تسمى ورثة أرباب العبيد، والتي استفاد أسلاف أعضائها البريطانيين مالياً من العبودية بطرق مختلفة: إنشاء مزارع السكر في جامايكا أو باربادوس أو توباغو. وتلقوا تعويضات من الحكومة البريطانية عما يزعمون أنه ممتلكات مفقودة، تتمثل في العبيد، بعد إلغاء العبودية، ودعوتهم للمحافظة على مؤسسة الرق للحفاظ على استمرار أرباحهم.
ويقول ورثة أرباب العبيد إن الثروة والامتيازات انتقلت عبر الأجيال، وإنه ربما يكون هناك ملايين البريطانيين الذين استفادوا من المال الناتج من الاستعباد. وتهدف المنظمة إلى إيصال أصوات ورثة أرباب العبيد الذين يدعون بالفعل للتعويض عما فعله إسلافهم، مثل حكومات منطقة البحر الكاريبي. وتدعم المنظمة أيضاً المنظمات التي تعمل على معالجة العواقب الحديثة للعبودية، في كل من المملكة المتحدة وخارجها، من العنصرية إلى عدم المساواة في الرعاية الصحية. وتقدم أيضاً نموذجاً يُحتذى للآخرين، من خلال صياغة خريطة طريق للعدالة التعويضية للاستعباد، على المستوى الفردي.
يقول اليكس رينتون، الذي نشر كتاباً في عام 2021 عن علاقات عائلته بالعبودية «تسليط الضوء دائمًا فكرة جيدة»، وتبرع بعائدات الكتاب إلى عدد قليل من المنظمات غير الحكومية في منطقة البحر الكاريبي وإنجلترا. ويضيف رينتون «ليس عليك أن تشعر بالذنب حيال ذلك؛ لا يمكنك تغيير الماضي»، ويسترسل مستشهداً بقول الباحث الجامايكي الأسكتلندي، السير جيف بالمر «لكن يجب أن نشعر بالخجل، لأننا حتى هذه اللحظة لم نفعل شيئاً حيال عواقب العبودية».
انتهى الأمر بمعظم الأفارقة الذين تم تهريبهم إلى الأميركتين ومنطقة البحر الكاريبي أثناء تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي في جزر الهند الغربية. الثروة المتولدة هناك من خلال أعمال السخرة الوحشية مولت الكثير من الثورة الصناعية في أوروبا، وعززت الكنائس والبنوك والمؤسسات التعليمية، وعندما ألغيت العبودية في الأراضي البريطانية عام 1833، أخذت الحكومة قرضاً لتعويض ورثة أرباب العبيد عن «ممتلكاتهم» المفقودة، ولم تنته الحكومة من سداد هذا الدين إلا في عام 2015.
على سبيل المثال، تلقت عائلة ديفيد لاسيليس، إيرل هاروود الثامن، أكثر من 26 ألف جنيه إسترليني من الحكومة البريطانية بعد إلغاء العبودية، لتعويضها عما يقرب من 1300 عبد، بينما «لم يُعط المستعبدون شيئاً»، كما يقول لاسيليس، وانضم إلى ورثة أرباب العبيد عند تأسيسها، وكان حريصاً على التعاون مع أقرانه في العمل الذي كان يركز عليه منذ عقود.
وجاء على صفحة الويب الخاصة بالمنظمة «لقد ظل الناس مثلنا، تاريخياً، صامتين بشأن ما فعله أسلافنا. نعتقد أن الوقت قد حان لمواجهة ما حدث، والاعتراف بالتداعيات المستمرة لهذه المأساة الإنسانية، ودعم الحركات الحالية لمناقشة الإصلاح والمصالحة».
بالنسبة لتريفليان، كان ذلك يعني تقديم اعتذار علني للغاية، والاستقالة من الصحافة لتكريس نفسها للنشاط. تقول إن الوصول إلى هنا كان عملية بطيئة. علمت للمرة الأولى بعلاقات عائلتها بتجارة الرقيق في عام 2016، عندما نشرت جامعة كوليدج لندن قاعدة بيانات على الإنترنت بالتعويضات، لكن الأمر اتضح لها جلياً بعد تغطية الـ«بي بي سي» لمقتل المواطن الأميركي الأسود، جورج فلويد، على يد الشرطة، واطلاعها على العديد من إرث العبودية في الولايات المتحدة – مثل الشرطة الحديثة – قبل أن تتساءل عما قد تبدو عليه الآثار في منطقة البحر الكاريبي، حيث استعبدت عائلتها الناس هناك.
بالنسبة لاسيليس، وهو ابن عم ثانٍ للملك تشارلز، فقد سلم في عام 2014 نسخاً رقمية من الوثائق المتعلقة بالعبودية المكتشفة في قبو منزله بداونتون آبي-إسكي هاروود إلى الأرشيف الوطني في باربادوس، حيث يوجد الكثير من أفراد عائلته، وحيث نشأت ثروتهم خلال عهد العبودية. وكرس هو وزوجته عقدين من الزمن للعمل مع المجتمعات حول هاروود، حيث يوجد عدد كبير من سكان الهند الغربية، بما في ذلك الاستثمار في الفنون والتعليم. يقول «عندما بدأنا، لم يكن هناك أحد آخر يفعل ذلك، لقد كانت قفزة كبيرة في الظلام»، كما يقول عن العدالة التعويضية، لكننا قررنا أن نفعل شيئاً بدلاً من عدم القيام بأي شيء».
خرجت الجماعة الكاريبية، وهي تكتل سياسي واقتصادي، بخطة من 10 نقاط للتعويضات في عام 2014. وقد قوبلت الوثيقة الرائدة، التي تدعو إلى «اعتذار رسمي كامل» كنقطة أولى لها، بالصمت على نطاق واسع في أوروبا، عدا اعتذار من رئيس الوزراء الهولندي العام الماضي، وملك هولندا هذا الصيف. ويقول لاسيليس: «ليست لدينا القوة لتغيير سياسة الحكومة، ولكن يمكننا إحداث الكثير من الضجيج».
تخطط الجماعة لعقد مؤتمر هذا الخريف، سيجمع العائلات التي استفادت من تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي، جنباً إلى جنب مع ممثلين من حكومات منطقة البحر الكاريبي والأوروبيين السود، الذين يدعون إلى هذه التعويضات. وفي غضون ذلك، يجتمع الأعضاء مع مجموعات المناصرة المحلية، لفهم ما يريدون بشكل أفضل، وكيف يمكن أن يساعدهم ورثة العبودية.
قدمت عائلة رينتون تبرعات لمؤسسات تنمية الشباب والمؤسسات التعليمية، لكنه لا يرى ذلك على أنه تعويض «أرى هذا على أنه عمل إصلاح، إذا بعت كل ما أملك، فلن أتمكن من البدء في تعويض الحياة التي دمرها أجدادي».
إحدى هذه المنظمات المعنية بهذا الأمر هي صندوق تطوير التعليم في نورث ستريت، الذي يديره المواطن الجمايكي، دونالد رينولدز في كينغستون، بجامايكا. يقول رينولدز، الذي يدعم النموذج التعويضي للتبرعات المباشرة للمنظمات غير الحكومية: «نحن بحاجة إلى المزيد من المدارس لينضم إليها المزيد من الأطفال»، ويسترسل «نحن بحاجة إلى المزيد من المستشفيات، والكهرباء في المناطق الريفية. هذا ما نحتاجه، المساعدة في تطوير بلدنا، وليس المال الذي يملأ الجيوب الحكومية، أو الاعتذارات، أو الدردشة».
ويقدر ورثة العبودية أن 70 شخصاً قد تواصلوا مع اللجنة منذ إطلاقها في أبريل، طالبين التوجيه بشأن إجراء الإصلاحات. ويقول جيل إن خطة التعويضات الخاصة بالجماعة الكاريبية قيد المراجعة حالياً، وإن عمل ورثة العبودية «يضيف بُعداً جديداً ومهماً للعدالة التعويضية».
باربادوس مثالاً للتعويضات
كانت جزر الهند الغربية موطناً منذ مئات السنين للنظام الوحشي للعبودية، الذي موّل الثورة الصناعية الأوروبية وجزءاً كبيراً من ثروتها وتطورها اللاحق. أكثر من 65% من الأفارقة المستعبدين في الأميركتين عملوا في مزارع في منطقة البحر الكاريبي، في باربادوس التي يشار إليها باسم «إنجلترا الصغيرة
»، وكانت باربادوس واحدة من أكثر المستعمرات البريطانية قيمة، حيث استعبدت ما يقدر بنصف مليون شخص للعمل في زراعة قصب السكر وقطعه ومعالجته، والذي كان يطلق عليه الذهب الأبيض. لقد اعتمدت كل الاعتماد على العمل بالسخرة في زراعة المحاصيل، من خلال وضع أول قانون لعمل العبيد، وهو إطار قانوني صدرته إنجلترا إلى مستعمراتها، بما في ذلك الولايات المتحدة.
منذ ما يقرب من 200 عام منذ التحرر، و60 عاماً على الاستقلال عن إنجلترا، برزت باربادوس كصوت رائد لجبر الضرر عن العبودية. ويشعر النشطاء والأكاديميون بأن عملهم قد اكتسب زخماً أخيراً، ففي هذا العام وحده، أصدرت كنيسة إنجلترا وجامعة غلاسكو اعتذارات رسمية، وتعهدتا بتعويضات مالية عن دورهما في تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي. ويدافع أحفاد أولئك الذين استفادوا من الاستعباد عن التعويضات الحكومية، ويقدمون مثالاً يُحتذى في إصلاح الأفراد.
تشريع لإصلاح مرارات الماضي
كيف نستطيع تعويض الضرر الناشئ عن العبودية؟ هذا السؤال هو ما سيتناوله المشرعون في كاليفورنيا الآن بعد صدور تقرير تاريخي، في 30 من الشهر الماضي، والذي خرج بتوصيات شاملة لخطوات مالية وتشريعية وإدارية، يجب اتخاذها تجاه سد الفجوات العرقية في الثروة والصحة والفرص.
يقر المشرعون في الولاية، ومعظم سكان كاليفورنيا، بأن تاريخاً من العنف والعنصرية في حاجة إلى التصحيح، في ولاية لا ترتبط عموماً بالعبودية. ويبدأ المشرعون الآن بالعمل المعقد، المتمثل في إقامة العدل الذي يشفي جراح الماضي، ويعيد ضبط العدالة للمضي قدماً.
سيؤدي تنفيذ التقرير بالكامل إلى إصلاح حكومة الولاية، وتوزيع الموارد العامة، لكن في ولاية متنوعة ديموغرافياً، تضم 40 مليون شخص، 6.5% منهم من السود، فإن العمل على تقديم عدد لا يحصى من الإصلاحات التشريعية – بينما تعالج الولاية عجزاً قدره 32 مليار دولار – أمر محفوف بالمخاطر سياسياً بالنسبة لهذه الأغلبية الديمقراطية العظمى.