برزت خلال المنخفض الجوي الأخير «الهدير»، الذي تأثرت به الدولة، قصص بطولية لمواطنين ومقيمين من جنسيات دول عدة، تمثلت في إغاثة الأسر المتضررة، والإسهام في الوصول إليها عبر قوارب الصيد و«الكاياك»، حيث تم نقل أفرادها، خصوصاً من هم من كبار المواطنين والمقيمين والأطفال وأصحاب الهمم، إضافة إلى توصيل المواد الغذائية والأدوية والكتب الدراسية، تدفعهم إلى ذلك روح التطوّع والشجاعة والتلاحم الإنساني.
وقد التقت «الإمارات اليوم» بأبطال «الهدير»، الذين سجل كل واحد منهم قصة بطولية تُكتب بحروف من ذهب، علماً بأن معظمهم أصرّوا على عدم الظهور بأسمائهم وصورهم، لإيمانهم بأن ما قاموا به هو واجب وطني.
وسجلت كاميرات الهواتف المحمولة بعض المواقف البطولية، في حين بقيت معظمها محفورة في ذاكرة الشهود وسجلهم الإنساني.
إنقاذ عمال
قام الشاب المواطن حمد الكعبي، بإنقاذ أكثر من 150 عاملاً آسيوياً في منطقة مصفوت بإمارة عجمان، بعد أن انقطعت سبل الوصول إليهم، نتيجة الأمطار الغزيرة التي تجمعت في الطرق المؤدية إليهم، حيث نقلهم من مسكنهم إلى منطقة آمنة، لإيوائهم وتقديم المساعدة اللازمة لهم.
توزيع وجبات
وأكد المقيم، سايمون صموئيل، (هندي الجنسية) رئيس جمعية «كيرالي» الثقافية بالفجيرة، أن حبه لدولة الإمارات وشعبها دفعه إلى القيام بحملة تطوعية من ميزانيته الخاصة لخدمة المتضررين من المقيمين في إمارة الفجيرة ومدينة كلباء التابعة للشارقة، حيث قام مع عدد من أبناء جنسيته بدخول أحد مقار سكن العمال المتضررة وتقديم وجبات لأكثر من 500 شخص ولمدة ثلاثة أيام متواصلة، فضلاً عن تزويدهم بالمياه والإسهام في التخفيف عنهم.
وقال إنه تواصل مع بلدية الفجيرة التي رحبت بمشاركته هو وفريقه في تنظيف الطرق الداخلية للمناطق السكنية المتضررة في إمارة الفجيرة، حيث حصلوا على الموافقة فوراً، وباشر الفريق بإزالة الصخور من الطرق الداخلية وتنظيفها لتعود كما كانت عليه قبل عبور مياه الأودية من خلالها، مسببة تراكم كميات كبيرة من الطين وأغصان الأشجار.
وأكد أنه وفريقه مستمرون في التطوّع وتقديم المساعدات، سواء بالمواد الغذائية والوجبات أو تنظيف المساكن والطرق حتى عودة المنطقة كما كانت عليه، قائلاً: «أعطتنا الإمارات كل ما نريده في وقت الرخاء، فكيف علينا أن نتركها في هذا الوقت الذي تمر فيه بظروف استثنائية، نتيجة المنخفض الجوي».
من هاوٍ إلى منقذ
من جهته، قال المواطن يوسف علي الفيل، من منطقة السيوح في إمارة الشارقة، إنه «لم يتصوّر أن تكون هوايته وهي ركوب (الكاياك) والصيد، سبباً في إنقاذ 25 أسرة من أهالي منطقته»، مضيفاً: «اتصل عليَّ شقيقي جاسم يبلغني أن امرأة استغاثت به لإنقاذ شقيقها العالق فوق مركبته نتيجة غمرها بمياه الأمطار».
وتابع: «على الفور أخذت (الكاياك) الخاص بي وتوجهت إلى الرجل ونقلته إلى منطقة آمنة».
وذكر أنه منذ هذه الحادثة، قرر تسخير قارب الصيد الخاص به و(الكاياك) والدرّاجة المائية الخاصة به، لإنقاذ الأشخاص وإجلائهم من منازلهم المتضررة إلى المناطق الأخرى حفاظاً على سلامتهم، مشيراً إلى أن «الكاياك» يمكنه الدخول إلى المنازل لانسيابيته وإمكانية دخوله المناطق الضيقة.
وأضاف أنه نقل من خلال «الكاياك» أكثر من 25 أسرة كان بينهم كبار مواطنين وأصحاب همم وأطفال وامرأة حامل في شهرها التاسع، إضافة إلى نقل بعض الحيوانات الأليفة كالطيور وغيرها.
«عونك كلباء»
وباستجابة سريعة وملهمة لتحديات منخفض «الهدير»، قام المواطن هلال سيف الكندي، وزوجته عائشة الرئيسي، بإطلاق مبادرة «عونك كلباء» عبر وسائل التواصل الاجتماعي، التي استطاعت أن تجمع أكثر من 2700 متطوع ومتطوعة خلال يوم واحد، أسهموا في تقديم المساعدة للأسر المتضررة في منطقة كلباء.
واستفاد الكندي من وسائل التواصل كأداة للتنسيق، مشيراً إلى أنه أرسل صباح يوم الجمعة الماضي رسالة مفادها: «على أبناء زايد أن يكونوا جزءاً إيجابياً وفعالاً خلال المنخفض الجوي الأخير، من خلال مساهمتهم البناءة في مثل هذه الظروف الجوية التي مرت بها المنطقة.. وكلباء تطلب كوادر بشرية تسهم في إزالة الأضرار الناجمة عن هذه الظروف»، مع تركه رابط مجموعة المبادرة، التي أبرزت قوة التضامن والتكاتف للمواطنين والمقيمين في مواجهة التحديات الطارئة.
وقال الكندي: «منذ اليوم الأول للمنخفض كنت أخرج لمساعدة أي شخص أمامي، والتواصل مع الجهات المسؤولة لتخفيف الآثار الناجمة عن الأمطار الغزيرة، إلا أنه في صباح يوم الجمعة الماضي شاهدت عامل نظافة يزيل ما تركته الأمطار من مخلفات، وقلت لزوجتي إننا أولى بتنظيف آثار المنخفض والإسهام في إغاثة الأسر، والتي بدورها شجعتني على إنشاء مجموعة على برنامج (واتس آب) باسم (عونك كلباء)، ودعوة الأشخاص للتطوع فيها»، مضيفاً: «لم تمر سوى ساعات قليلة حتى انضم 1000 متطوع ومتطوعة إلى المبادرة، مجسّدين روح التضامن والتكاتف في مواجهة التحديات الطارئة».
إجراءات
وأكد الكندي، اتباع الإجراءات الصحيحة في عملية التطوع، حيث تم تسجيل المتطوعين في الجهة الرسمية، وفتح مجلس ضاحية الفريج بكلباء أبوابه للحملة، ثم بدأ توافد المتطوعين إليه، والذين تم تقسيمهم إلى فرق مختلفة، موضحاً أن بعضها كان مسؤولاً عن تسجيل المتطوعين، وبعضها الآخر كان متخصصاً في تجهيز المواد الغذائية ونقلها للمركبات من أجل إيصالها للأسر المتضررة، إلى جانب فرق متخصصة في نقل الأسر المتضررة من منازلها إلى الجهات المسؤولة لإيوائها، فيما عملت فرق على نقل الأدوية بعد استلامها من المستشفى المعني للمريض بالتعاون مع إدارة المستشفيات.
وأفاد بأنه منذ بدء العمل في المجلس، قدم المتطوعون دعماً كبيراً للحملة، مشيراً إلى إسهام الصيادين بقواربهم للمساعدة في الوصول إلى المناطق المغمورة بالمياه، بينما قدم آخرون آلاف الوجبات الغذائية سواء من أصحاب المطاعم أو المطابخ، في حين تبرع بعض الأشخاص بآليات ومعدات تسهل عملية جمع ونقل المواد الغذائية إلى المنازل المتضررة.
وتابع الكندي: «قام داعمون آخرون بالإسهام بدرّاجات مائية سهلت التنقل داخل المناطق المغمورة، والوصول للمنازل المغمورة، والتي يصعب على المركبات الثقيلة الوصول إليها، كما قدمت المدرسة الأميركية الخاصة بكلباء مساهمة عبر توفير 30 طاولة و35 كرسياً وطابعات، إلى جانب 700 متطوع من الكوادر التعليمية والإدارية والطلبة للإسهام في الحملة، علاوة على ذلك قامت مدرسة فيكتوريا الدولية بالتواصل مع أولياء الأمور، لدعم التطوع مع الحملة، ووفرت عدداً من المتطوعين».
خدمات
بدورها، قالت عائشة الرئيسي: إن الحملة خصصت رابطاً خاصاً لأفراد الأسر المتضررة في كلباء، حيث يقومون بالتسجيل لتحديد نوع الخدمة التي يحتاجون إليها كسحب المركبات المتعطلة نتيجة الأمطار، أو خدمة الإنقاذ، أو توفير وتوصيل المواد الغذائية، أو توصيل الأدوية، أو طلب خدمات التنظيف للمناطق المتضررة، مشيرة إلى أن هذه الخطوة أسهمت في تنظيم وتنسيق الجهود الإغاثية وتحديد الاحتياجات الفورية للمتضررين، ما يسهم في تقديم المساعدة بشكل فعّال وفي الوقت المناسب.
وأضافت أن المتطوعين عملوا بجهد مستمر من الساعة الـ10 صباحاً حتى الـ10 مساءً، حيث يجهزون الصناديق الغذائية والوجبات والأدوية، ثم يقومون بنقلها عبر مركبات ثقيلة وقوارب لتوصيلها إلى الأسر المتضررة.
وتابعت: «على الرغم من التضحيات التي قام بها المتطوعون، بما في ذلك ترك أسرهم وأبنائهم، فإن روح الإخاء والتضحية بقيت عالية، معبرين عن حبهم وولائهم لدولة الإمارات».
امرأة مسنة
وقال المواطن راشد السعدي، المتطوع في حملة «عونك كلباء»: «استجبت للحملة منذ بدايتها، ومع نهاية كل يوم أشعر بالتعب نتيجة تجهيز صناديق المواد الغذائية وغيرها، لكن في صباح اليوم التالي كنت أجد نفسي أمام ضاحية الفريج مستعداً لإغاثة الأسر المتضررة بهمة عالية من دون تردد».
وأضاف: «بينما كنت أساعد في توصيل المواد الغذائية والأدوية للأسر، وجدت امرأة مسنة تقف عند باب منزلها، وقد دخلت إليه المياه، وعند سؤالي عن سبب عدم تسجيلها في الرابط المخصص لإغاثة الأسر من أجل طلب المواد الغذائية وغيرها، أجابت بأن عزة نفسها منعتها من تقديم الطلب».
وتابع السعدي: «على الفور زودت المنزل بمواد غذائية، وأصبحت أزوده لاحقاً بالوجبات سواء الغداء أو العشاء». وذكر السعدي أنه قضى خمسة أيام متواصلة في مساعدة الأسر المتضررة.
حالة صحية
وتأتي قصة المواطن سعيد الوشاحي، البطولية في تقديم المساعدة لشخصين يعانيان حالة صحية صعبة منعتهما من الخروج من المنزل، لعدم استطاعتهما ركوب القوارب المخصصة في نقل الأشخاص أو المركبات الثقيلة، الأمر الذي دعاه للذهاب إليهما يومياً عبر القوارب و«الكاياك» لتزويدهما بالأدوية والغذاء، والاطمئنان على صحتهما.
وقال: «سعادة الأشخاص عند مساعدتهم كانت وقودي طوال فترة تطوعي، فقد أثرت فيَّ تلك اللحظة التي قمنا فيها أنا وزملائي المتطوعون بتزويد المقيمين من جنسيات آسيوية بعد رجوعهم من الإيواء، بالمؤن الغذائية والمياه، وذلك لتضرر جميع المواد الغذائية وتلفها في منازلهم».
نجدة
إلى ذلك، قال المواطن علي راشد النهم المراشدة: «بينما كنت أقدم الإغاثة للأسر المتضررة في كلباء، خرجت امرأة وبيتها مغمور بمياه الأمطار تستنجد بي خوفاً من الصعق الكهربائي نتيجة المياه المتراكمة داخل المنزل، ودخولها الثلاجة وأجهزة كهربائية أخرى، وعلى الفور استدعيت شخصين لمساعدتي، وحين دخلت المنزل فوجئت بأنهما امرأتان فقط دون رجل يعينهما أو يساعدهما، الأمر الذي جعلنا نقوم برفع جميع الأجهزة التي قد تتسبب لهما في أذى».
وأضاف أنه طلب منهما الخروج من المنزل حفاظاً على سلامتهما، إلا أنهما رفضتا الخروج وبقيتا في المنزل.
وتابع: «بسؤالي عن الوجبات التي تأكلانها طوال فترة بقائهما في المنزل، فوجئت بأن ليس لديهما أي مواد غذائية، ما جعله يزودهما بالأغذية ومياه الشرب فوراً».
من جانبه، قال المتطوع المواطن منصور علي الزعابي (16 عاماً) من كلباء: «لم أتردد للحظة واحدة في المشاركة بمساعدة الأسر المتضررة، على الرغم من الساعات الطويلة التي نقضيها في جمع المواد الغذائية ونقلها للمركبات وتوصيلها، إلا أنها تبدو كلحظات فقط، وذلك للهمة العالية».
من جهتها، قالت المتطوعة في الهلال الأحمر الإماراتي، زينب البلوشي: «أعمل في خدمة الأسر التي تم إيواؤها، على الرغم من ارتباطي بعملي طوال الفترة الصباحية، إلا أنه بمجرد ما تنتهي ساعات العمل أتجه مباشرة إلى مواقع الإيواء لأعمل على تلبية احتياجات الأسر، خصوصاً كبار السن والأطفال».
• المواطن حمد الكعبي أنقذ أكثر من 150 عاملاً آسيوياً في منطقة مصفوت بعجمان.
• الشاب يوسف الفيل نقل بـ«الكاياك» أكثر من 25 أسرة بينهم كبار مواطنين وأصحاب همم وأطفال وامرأة حامل في شهرها التاسع بالشارقة.
• مبادرة «عونك كلباء» استطاعت أن تجمع أكثر من 2700 متطوع ومتطوعة خلال يوم واحد.
• متطوعو المبادرة عملوا بجهد مستمر من الساعة الـ10 صباحاً حتى الـ10 مساء.
إدخال الفرحة على قلوب الأطفال
قالت المتطوعة في الهلال الأحمر الإماراتي، بدرية محمد الكتبي: إن الواجب الوطني والإنساني كان دافعاً لها للتطوع بشكل يومي، منذ بداية منخفض «الهدير»، لخدمة الأسر المتضررة، وإدخال الفرحة إلى قلوبهم.
وأضافت: «منذ لحظة دخولي إلى مراكز الإيواء، توافد الأطفال عليَّ بحماس، حيث لا أتوانى عن إدخال السرور عليهم، من خلال تنظيم الفعاليات والمسابقات التي يتفاعلون معها»، مؤكدة أنها لن تتوقف عن العمل التطوعي في مراكز الإيواء حتى عودة كل الأسر إلى منازلها.
بدرية الكتبي. من المصدر