قد يكون من الصعب على الآباء التعرف على المرض العقلي عند الأطفال. ونتيجة لذلك، لا يحصل كثير من الأطفال – الذين يمكن أن يستفيدوا من العلاج – على المساعدة التي يحتاجون إليها.
كيف يمكن للآباء التعرف على العلامات التحذيرية عند الأطفال، وكيف يمكن تقديم المساعدة لهم؟
يُعرَّف اضطراب الصحة العقلية بأنه أنماط أو تغيرات في التفكير أو الشعور أو السلوك، تسبب الضيق أو تعطل قدرة الشخص على العمل. كما يعرَّف بأنه تأخيرات أو اضطرابات في تطوير التفكير أو السلوكيات أو المهارات الاجتماعية أو تنظيم العواطف الملائمة للعمر.
وهذه المشاكل مزعجة للأطفال وتعطل قدرتهم على العمل بشكل جيد في المنزل أو المدرسة أو المواقف الاجتماعية الأخرى.
قد يكون من الصعب فهم اضطرابات الأطفال، لأن النمو الطبيعي للطفولة عملية تنطوي على التغيير. إضافة إلى أن أعراض الاضطراب تختلف تبعاً لعمر الطفل، وقد لا يتمكن الأطفال من شرح شعورهم أو سبب تصرفهم بطريقة معينة. فيما يتجاهل كثير من الآباء قدرة معلم التربية الخاصة على تمييز الطلبة الذين يواجهون صعوبات في التعلم، أو إعاقة بسيطة أو اضطراب التآزر الحركي، على الرغم من الخبرة التي يمتلكونها في هذا المجال. ويفضلون تشخيص اضطرابات أبنائهم «فروقاً فردية»، هرباً من «الوصمة الاجتماعية» أو من كلفة العلاج، أو من المظهر الاجتماعي.
وقال معلمو تربية خاصة إنه بمجرد إبلاغ ولي الأمر بضرورة عرض ابنه على الفريق الطبي المختص لتشخيصه المبكر، يرفض ما يتلقاه من ملاحظات ويصرّ على أن لدى طفله فروقاً فردية فقط، محذرين من النتائج التي تترتب على الإنكار والرفض وتجاهل الواقع.
وتفصيلاً، حذرت معلمة تربية خاصة، فضلت عدم نشر اسمها، من عدم الاستجابة لتشخيص المختصين من الكوادر المؤهلة، الذين يتركز دورهم في تحديد قدرة الطالب في مراحله الدراسية الأولى على تلقي التعليم الأكاديمي بالطرق المناسبة، بما يتضمن إلحاق الطلبة الذين يعانون اضطرابات التعلم وبعض الإعاقات البسيطة بجلسات علاجية تمكنهم من تخطي الصعوبات التي تواجههم في المدرسة وتخفيف نتائج الإعاقات البسيطة التي لديهم.
وأكدت وجود أطفال يحتاجون إلى تأهيل وتدريب قبل دخول التعليم الأكاديمي، لما يعانونه من مشكلات قد تبدو غير واضحة لذويهم، أو قد يعتبرونها فروقاً فردية، يتميزون بها عن أقرانهم، مشيرة إلى أن «إهمال هذه الإعاقات البسيطة والاضطرابات التي يعاني منها بعض الأطفال، تتسبب لهم مستقبلاً بالتأخر الدراسي وضعف العلاقات الاجتماعية، وقد تصل في بعض الأحيان إلى الاضطراب النفسي.
وقالت معلمة رياض أطفال في إحدى المدارس الحكومية في عجمان، مريم أحمد، إن «طبيعة الصعوبات التي يعاني منها الطفل قد لا تكون واضحة بالنسبة لوالديه، نظراً لقلة خبرتهما في الفصل بين الفروقات الفردية وبعض الإعاقات الطفيفة، إذ عادةً ما تكون غير واضحة»، مؤكدة أن «بعض أولياء الأمور يرفضون تقييم المعلم أو المختص من الكوادر المؤهلة، نتيجة الصدمة التي تنتابهم بعد تقييم أبنائهم من ضمن الطلبة الذين يحتاجون إلى تشخيص مبكر للتأكد من حالتهم الصحية ونوع الاضطراب الذي يعانونه، بهدف تأهيلهم ومراعاة حالتهم الصحية، وتمكينهم من الانتقال من مرحلة دراسية إلى أخرى دون تعثرهم الدراسي وتعرضهم لمشكلات نفسية نتيجة عدم تكافؤ القدرات بينهم وبين أقرانهم في الفصل».
وأكد الأخصائي النفسي، حسن عيسى، أن الفروق الفردية بين الأطفال تتمثل في السمات التي تميز كل طفل عن الآخر، سواء في الشكل أو السلوك أو التفكير، ولا يعني أن هذا الطفل أفضل من الآخر، كفروق النوع التي تقوم بقياس صفة الطول التي تقاس بالمتر أو الوزن، ففي بعض الأحيان مثلاً يعاني الطفل من قصر قامة نتيجة مشكلات صحية تؤثر سلباً في أدائه في الفصل، وتمنعه من مجاراة معلم المادة، ما يجعله محتاجاً لتدريب مختلف عن أقرانه في الفصل وتهيئته قبل تلقيه التعليم الأكاديمي، الأمر ذاته في الصعوبات التي يعانيها بعض الطلبة، وتتمثل في التحكم بالتركيز وغيرها ما يجعل الطفل محتاجاً إلى تشخيص طبي لتوضيح نوع الإعاقة التي لديه، وتحديد طبيعة التدريبات التي سيتلقاها بخطط مدروسة وفعالة تمكنه من استيعاب الدروس.
وأضاف أن عدم تقبل بعض أولياء الأمور لتشخيص المختصين لأبنائهم ستترتب عليه بعض المشكلات التي سيواجهها الطفل مع مرور الوقت، وتتمثل في صعوبة التعلم وعدم القدرة على استيعاب المعلومات التي يشرحها المعلم في الفصل أو سماعها بصورة واضحة في حال كان يعاني من إعاقة سمعية، مما سينتج عنه ضعف التحصيل الدراسي، إضافة إلى ضعف الشخصية والإحساس بالإحباط.
وطالب أولياء الأمور بإدراك أهمية عدم التأخر في تشخيص أبنائهم، وعدم إهمال ملاحظات المعلم، ومراجعة المختصين والأطباء للمعرفة الدقيقة بكيفية التعامل مع طبيعة أبنائهم، واحتوائهم بدلاً من إنكار الحقيقة التي ستتطلب جهداً مضاعفاً مستقبلاً حين يصبح الطالب في مراحل التعليمية متقدمة.
وذكر أن بعض الآباء يظنون أن أبناءهم يحتاجون إلى دروس خصوصية فقط لإزالة الفروق الفردية بين أبنائهم وأقرانهم في الفصل وحقيقة الأمر أن الحل الذي يقومون به غير مناسب، حتى إن تمكن الطالب من التخرج بمعدلات ضعيفة، إلا أنه لن يتمكن من كسب المهارات التي تؤهله للانتقال للتعليم الجامعي. وبالتالي، فلن يتمكن من الحصول على الوظيفة المناسبة نتيجة عدم توافر المهارات المطلوبة التي تميزه من بين مهارات الباحثين عن العمل الآخرين.
وذكرت معلمة تربية خاصة في إحدى المدارس الحكومية في إمارة الفجيرة، (فضلت عدم ذكر اسمها) أن الطفل الذي يعاني من إعاقات بسيطة مثل اضطراب التآزر البصري والحركي والضعف الشديد في السمع، أو يعاني من صعوبات في التعلم، يحتاج إلى الاعتراف بنوع الإعاقة التي يعانيها من خلال التشخيص المبكر والتقييم السيكولوجي الصحيح ليتمكن من تلقي التدريب المناسب والمستمر الذي يعينه على تخطي الصعوبات التي يواجهها أثناء تلقي التعليم الأكاديمي.
وأضافت أن معلمي التربية الخاصة يحاولون عادةً أن يتحروا الدقة في تقديم الملاحظات لأولياء الأمور «لأن الخطأ في التشخيص سيؤثر في نفسية الطفل ووالديه»، مؤكدة أن معلم التربية الخاصة ليس مخولاً بتشخيص الطلبة، إنما يقدم ملاحظات على الأطفال الذين يعانون من إعاقات بسيطة أو صعوبات في التعلم. ويتعين على ولي الأمر، على أثر هذه الملاحظات، أن يعرض ابنه أو ابنته على المراكز الصحية المخصصة للتشخيص المبكر، وإعداد تقرير مفصل لحالته الصحية أو الإعاقة التي يعانيها بعد عرضه على طبيب الأسرة وطبيب الأطفال وطبيب الأذن والأنف والحنجرة والأخصائي النفسي وطبيب العيون، كل بحسب الإعاقة أو الاضطراب الذي لديه.
وذكرت أنه بمجرد تقديم التقرير الطبي للطفل من ولي أمره إلى معلم التربية الخاصة، يدرس المعلم حالته لوضع وتنفيذ خطط الرعاية السليمة له، التي تسهم في فعالية تأهيله وتخفيض نتائج الإعاقة، لافتةً إلى أن التقرير يشمل وصف التشخيص النفسي للطالب والاضطرابات التي يعانيها سواء النفسية أو العقلية ومعرفة طبيعة الإعاقة.
وتابعت أن «الطالب الذي لديه اضطراب، أو يتبين أنه من ذوي الهمم، لا يعزل عن أقرانه، بل يؤخذ بين الحصص الدراسية لجلسات علاجية أو تأهيلية وتدريبية تمكنه من تخطي أي صعوبات يواجهها، ثم يعاد إلى الفصل لاستكمال اليوم الدراسي مع أقرانه».
وذكرت أن بعض أولياء الأمور يواجهون ملاحظات معلمي التربية الخاصة أو معلمي الفصل، بالرفض، معتبرين إعاقة أبنائهم البسيطة أو الاضطرابات التي يواجهونها مجرد فروق فردية، الأمر الذي ينعكس سلباً على الطفل وأدائه في الفصل لعدم استطاعته التغلب على الصعوبات التي يواجهها، شارحة أن «الصعوبات التي تكون لدى الطفل ليس شرطاً أن تؤثر في مستواه الدراسي، فبعض الحالات، التي تحتاج إلى جلسات نطق، يكون فيها الطفل متميزاً وذا تحصيل علمي مرتفع».
• إنكار الآباء معاناة أبنائهم يحرمهم من الخضوع لجلسات علاجية تمكنهم من تخطي الصعوبات التي تواجههم في المدرسة.
• «إهمال الاضطرابات التي يعاني منها بعض الأطفال يتسبب لهم مستقبلاً بالتأخر الدراسي وضعف العلاقات الاجتماعية»
حقيقة غير ملحوظة
قالت ولية أمر طالب في مرحلة رياض الأطفال في إمارة الفجيرة، شيخة راشد، إنها شعرت بالصدمة وهي تتلقى ملاحظة معلمة التربية الخاصة، حول إعاقته الطفيفة، أو غير الملحوظة بالنسبة إليها، إلا أنها فكرت فقط في كل ما يفيد صحة ابنها.
وتابعت: «أن تجد ابنك من ذوي الهمم بعدما كان يبدو لك سليماً أمر غير سهل، ويحتاج إلى شجاعة، لأنك ستبدأ معاملته بطريقة خاصة، لمساعدته على تخفيف الإعاقة التي يواجهها».