تجارب عديدة مروا بها بحلوها ومرها، وبكل منعطفاتها التي شكّلت جزءاً من نضجهم، وجعلت منهم أبطالاً انتصروا في معركتهم بالأمل والإصرار والعزيمة، ورأوا النور في معنى جديد للحياة، إنهم الناجون من السرطان، الذين تحرص “جمعية أصدقاء مرضى السرطان” على استعراض قصصهم وتجاربهم الملهمة، ودورها في رفع معنويات باقي المرضى، بما ينعكس إيجابياً على روحهم المعنوية خلال رحلة العلاج.
وتسلِّط الجمعية الضوء على هذه القصص وأصحابها، احتفاءً باليوم الوطني للناجين من السرطان، وطوال شهر يونيو، الذي أصبح شهراً وطنياً للناجين من السرطان والمتعافين منه في جميع أنحاء العالم، حيث تستعرض تجربتهم البطولية الملهمة لتعزيز الوعي المجتمعي بقضيتهم وبأهمية الكشف المبكر والدوري في الوقاية من جميع أنواع السرطان.
كل لحظة مهمة
بعد آلام مزمنة في الصدر، تدهورت صحتها بشكل لافت خلال فترة قصيرة، فتوجهت ع. ع، وهي سيدة متزوجة وأم لثلاثة أطفال تبلغ من العمر 52 عاماً، إلى المستشفى، وتم تشخيص إصابتها بسرطان الثدي في المرحلة الرابعة، حيث بدأ الورم بالانتشار، وكان الوقت هو التحدي الأكبر الذي واجهته خلال تجربتها، فكل لحظة يمكن أن تكون نقطة تحول في مسيرة علاجها.
تؤكد السيدة ع. ع، أن اكتشاف الإصابة كان واقعاً صعباً لا يمكن وصفه، وأن رحلة العلاج في البداية كانت قاسية جداً بسبب ارتفاع التكاليف، والتوقف عن العمل بعد الإصابة، لكن الأمر تغير بعد نصيحة الطبيب المشرف على علاجها الكيميائي لها بالتوجه إلى “جمعية أصدقاء مرضى السرطان” التي رحّبت بها، وقدمت لها الدعم والتشجيع، واحتضنتها، ووفّرت لها الرعاية والطاقة الإيجابية، التي شكلت حافزاً لمقاومة السرطان، لا سيما بعد العمل الجراحي والاستئصال الكامل مع الغدة الدرقية.
تقول السيدة ع. ع: “الدعم النفسي والمعنوي الذي قدمته لي جمعية أصدقاء مرضى السرطان جعلني أقوى، وعزَّز شعوري بالقدرة على التحكم بالسرطان بدلاً من تحكّمه بي، والتغلّب عليه في هذه المعركة المصيرية، خاصة وأن الفعاليات التي تنظمها الجمعية ليست تقوم بدعمي فقط ولكن أيضا تشمل دعم زوجي وأولادي، الذين لاحظوا تحسن حالتي النفسية من خلال المشاركة في الفعاليات التي أصبحت بمثابة بيت كبير للعائلة يضم كل الأخوات المصابات بالسرطان، والحمد لله أصبحت بحالة أحسن، وأقوى، وأفضل مما كنت عليه في السابق، وأكثر قدرة على تحمل مضاعفات العلاج الكيميائي”.
منارة تضيء الدرب
بعد تشخيص خاطئ، تبيّن إصابة زوج السيدة ن. م. البالغة من العمر 69 عاماً بسرطان الثدي في مراحل متأخرة جداً انتقل فيها الورم إلى الكبد والعظام والغدد الليمفاوية والرئة بسبب التدخين، ولم يفلح العمل الجراحي والعلاج الكيمائي والإشعاعي على مدار 3 سنوات بإنقاذ حياته، لتبقى بعد ترمّلها وحدها مسؤولة عن رعاية أبنائها الثلاث، راضية بقضاء الله وقدره.
وإيماناً بأهمية الكشف المبكر بعد تجربة زوجها، توجهت السيدة ن. م. إلى العيادة الثابتة التابعة لمبادرة “القافلة الوردية” لإجراء فحص الكشف المبكر عن سرطان الثدي، وبعد إجراء الفحص، تم تحويلها إلى مستشفى متخصص لإجراء المزيد من الفحوصات الطبية، حيث تم تشخيص ورم صغير الحجم، لم يكن بالإمكان علاجه لو تأخر اكتشافه لفترة أطول، ثم توجّهت إلى “مستشفى توام” حيث خضعت لعمل جراحي، إلى جانب العلاج الكيميائي والإشعاعي والهرموني.
تقول السيدة ن. م: “ساعدتني جمعية أصدقاء مرضى السرطان مقاومة المرض من خلال بث روح الأمل ومحبة الحياة في نفسي، ما ساعدني على مقاومة السرطان. وحتى خلال عملي في التدريس، كنت قوية أمام طلابي ولم أُظهر تعبي أمامهم، وشكّل الدعم النفسي والمعنوي عاملاً أساسياً في الانتصار على السرطان، وقبل ذلك، إيماني بقضاء الله وقدرته سبحانه وتعالى على شفائي”.
بارقة أمل
لم تشعر السيدة ل. د، التي تبلغ من العمر 55 عاماً، بأي علامات للإرهاق أو التعب، وخلال فعاليات أكتوبر، شهر التوعية بسرطان الثدي، أجرت فحص الماموغرام، وتم تشخيص إصابتها بسرطان الثدي، وكانت صدمة كبيرة لها، لعدم وجود تاريخ إصابات بالسرطان في عائلتها، وانقلبت حياتها رأساً على عقب، في ظل ظروفها المادية، والبحث عن الدعم اللازم للعلاج. حيث بدأت رحلة علاج السيدة ل. د بعملية جراحية لاستئصال الورم، ولكن تبين وجود بقايا للورم في بعض المناطق، وخضعت لعمل جراحي ثانٍ، وأظهرت الفحوصات الطبية والمخبرية عدم انتقال الورم إلى أي مناطق أخرى، وعدم الحاجة للعلاج الكيميائي أو الإشعاعي.
وحول قصتها، تقول السيدة ل. د: “في البداية، واجهت عدداً من التحديات، أبرزها تكلفة العلاج المرتفعة، والبعد عن عائلتي، ولم أُرد أن يؤثر مرضي على بناتي الثلاث، لكن جمعية أصدقاء مرضى السرطان ساعدتني خلال فترة العلاج مادياً، كما دعمتني نفسياً ومعنوياً، وساهمت في تعزيز قدرتي على مقاومة السرطان، والصبر والأمل بالشفاء، إلى جانب دعم عائلتي وتمكينهم من الاهتمام بي صحياً ومعنوياً، منذ تشخيص إصابتي وطوال فترة العلاج وإلى يومنا هذا، حتى بعد نجاتي وشفائي تماماً من السرطان”.
أمل متجدد
تؤمن “جمعية أصدقاء مرضى السرطان” أن تقديم الدعم للمصابين لا يقتصر على مجموعة معينة من المؤسسات الطبية التي توفر العلاج الطبي فحسب، وإنما هو قضية نبيلة تتطلب تعاون جميع أفراد المجتمع ومؤسساته وحشد جهودهم، لتقديم كافة سبل الدعم المالي والمعنوي والنفسي للمرضى وعائلاتهم خلال رحلة العلاج.
وتحرص الجمعية، منذ انطلاقتها في عام 1999، على فتح باب التطوع والتبرع والمشاركة في مجموعات الدعم ضمن عدد كبير من المبادرات والبرامج التي تنفذها على مدار العام، لمد يد العون والمساعدة لمرضى السرطان وإعادة الأمل إلى حياتهم، ومكافحة السرطان والحد من انتشاره، والمساهمة في تسطير فصول مشرقة من الانتصارات في المعركة معه.