قال المدير التنفيذي لمركز إرادة للعلاج والتأهيل في دبي عبدالرزاق أميري، إن هناك قناعات خاطئة تؤثر سلباً على حياة ومستقبل مريض الإدمان، وهي أن مصيره غالباً يؤول إلى الموت أو السجن، وهذا أمر غير صحيح، ويصدّر حالة من اليأس والإحباط إلى نفس المريض والأسرة في كثير من الأحيان.
وقال أميري لـ«الإمارات اليوم»: «نحتفل دورياً بمشوار نجاح مريض، وتمكنه من التعافي»، لافتاً إلى أن هذا مرض مزمن يتعرض صاحبه لانتكاسات عدة ومتكررة، لكن بالإرادة والمتابعة يتعافى من الأعراض ويمارس حياته، بل ويحقق كثير منهم نجاحات مميزة في حياتهم.
وكشف عن برامج علاج متطورة يطبقها المركز، تتضمن أدوية طبية مكلفة تتوافر للمرضى بفضل الدعم الذي تقدمه حكومة دبي للمركز، ما أسهم في تحقيق مؤشرات متميزة، بلغت 40% لمنتسبي المركز الذي يستكملون رحلة التعافي، بل ووصلت إلى 80% لمرضى مخدرات أفيونية مثل الهيروين، بعد استخدام دواء واسع الفاعلية.
وتفصيلاً، قال المدير التنفيذي لمركز إرادة عبدالرزاق أميري، إن الإدمان مرض مركب، عضوي ونفسي واجتماعي، ويتحتم علاج جوانبه الثلاثة لضمان نجاح رحلة التعافي، لافتاً إلى أن الجزء العضوي يؤثر على خلايا المخ، ويصل بالمريض إلى مرحلة الإدمان.
وأضاف أن مركز إرادة يتعامل مع مريض الإدمان بنظرة مختلفة، تتسق مع المنظمات والمراكز العالمية التي تعتبره مصاباً بمرض مزمن ويخوض رحلة تعافٍ تطول أو تقصر وفق ظروف معينة مرتبطة بحالته، ونوع المخدر، والعلاج الذي يحصل عليه، ومدى قدرة أسرته على احتوائه.
وأشار إلى أن أحد رواد العلاج من الإدمان ولديه مركز علاج مرموق في الغرب، كان مدمناً سابقاً وتعافى منذ 35 سنة، ولايزال يعتبر نفسه في رحلة تعافٍ، مؤكداً أن مجرد الالتزام بالعلاج نجاح في حد ذاته.
وتابع أميري: «لا يوجد أسود أو أبيض في مشوار الإدمان، ورحلة التعافي، إذ إنها ليست عملية استئصال دودة زائدة أو مرضاً عضوياً عادياً، بل برتوكولاً متكاملاً ومعقداً، يتعرض المريض خلاله لانتكاسات وصعود وهبوط، والمهم أن يواصل ويستكمل الرحلة بإرادة صلبة ورغبة حقيقية في التعافي».
وأوضح أن مؤشرات النجاح تقاس بالأسلوب أو برنامج العلاج، لافتاً إلى أن مركز إرادة يطبق برنامجين معتمدين عالمياً: أولهما العلاج المكثف داخل المركز لمدة 28 يوماً، ويمكن أن يمتد إلى ثلاثة أشهر، يخضع المريض خلالها لعملية إزالة سموم، وتأهيل مكثف، وتزويده بالأدوية المساعدة، حسب حجم المرض، ونوع المخدر وطبيعة الشخص.
وأفاد بأن البرنامج الثاني يتمثل في العلاج الخارجي المكثف، فيتحتم على المريض حضور ثلاث جلسات أسبوعياً، يخضع خلالها لعلاج من الأعراض المصاحبة للإدمان، مثل الاضطراب النفسي، والاكتئاب والقلق، وتشمل كذلك جلسات تأهيل للأسرة، مشيراً إلى أن 90% من المدمنين يعانون أمراضاً نفسية مصاحبة، بل إن هناك مراهقين جنحوا لتعاطي المخدرات بسبب معاناتهم هذه الأمراض، أي أنها كانت سبباً في الإدمان.
ولفت إلى أن المركز يحاول بشكل استباقي حماية المراهق من الإدمان من خلال توعية الأسرة بضرورة الانتباه إلى حالة الابن واصطحابه مباشرة إلى طبيب نفسي حتى لا يتجه إلى المخدرات.
وأوضح أن برنامج العلاج الخارجي المكثف يستغرق أربعة أشهر، يتم التركيز خلالها على الجوانب النفسية، خصوصاً لو كان يعاني اكتئاباً شديداً، كما يتطرق المركز إلى الجانب الاجتماعي، مثل التفكك الأسري، فيحاول حل تلك المشكلات.
وقال أميري إنه في حالة استكمال البرنامجين الداخلي والخارجي دون حدوث انتكاسة، يتخرج المريض، ويعد متعافياً في ظل وجوده بالخارج دون محاولة التعاطي، وهذا إنجاز كبير يحتفل به الفريق المعالج مع المريض وأسرته.
وأضاف أن الرحلة لا تتوقف عند هذه المرحلة، بل يكمل المريض مشواره مع المركز، لكن بعدد أقل من الجلسات، لافتاً إلى أن هناك مرضى يستمرون طواعية في الحصول على الدعم اللازم ومضاعفة فرصهم في التعافي.
وأوضح أن هناك متخصصين على مستوى رفيع، من بينهم متعاطون سابقون، يهتمون بالجانب النفسي، لأن ثقة المريض بنفسه تتضاءل، ويفقدها نهائياً بعد التعاطي.
وحول مؤشرات المركز، أشار إلى أن 40% من النزلاء المنتسبين إلى المركز يستكملون رحلة التعافي، معتبراً أن هذه نسبة رائعة بالنظر إلى المؤشر العالمي، إذ يستعيد المتعافون حياتهم، ويمضون قدماً في طريق لمستقبل أفضل.
وتابع أن هناك مؤشراً آخر مهماً يعتمد على تجربة طبقها المركز منذ نحو سنة ونصف السنة، هي استخدام نوع من العلاج المتطور يسمى «بوفيدال»، وهو نوع من الحقن التي أثبتت فاعلية مدهشة في علاج مرضى تعاطي المخدرات الأفيونية مثل الهيروين.
وشرح أن النزيل يقضي 21 يوماً بالمركز، ثم يحصل على أول جرعة من دواء بوفيدال، مع الأدوية المكملة المعالجة للاكتئاب والتوتر، ويحصل على جرعة أسبوعية لمدة ستة أشهر، ثم يحصل على جرعة شهرية بعد ذلك.
وأضاف أنه دواء غالي الثمن، لكن توفره الحكومة في ظل الدعم الكامل الذي تقدمه للمركز لضمان توفير أفضل فرص العلاج، لافتاً إلى أن مؤشر التعافي بالمركز لمستخدمي هذا الدواء بلغ 80%.
وأشار إلى أحد المرضى الذين يحصلون على هذا الدواء تخرج أخيراً بعد استكمال رحلة التعافي، وسافر مع أهله إلى الخارج لكنه كان يعود أسبوعياً للحصول على الإبرة، وجلسة مصاحبة يقضيها مع الخبير، موضحاً أنه بحسب الدراسات يحصل المريض على هذا الدوام لفترة تتفاوت من سنتين إلى أربع سنوات.
وأفاد بأن هذا العلاج طور في البداية لعلاج الاكتئاب والقلق لكن اكتشف لاحقاً أنه يساعد مرضى الإدمان، مشيراً إلى أنه يجري مسح للمخ يُظهر المناطق المتضررة من تلك الأعراض، وبعد 20 جلسة يحدث تحسن مذهل، ويشعر المريض بأنه إنسان مختلف.
التزام رائع
قال المدير التنفيذي لمركز إرادة للعلاج والتأهيل في دبي عبدالرزاق أميري، إن أحد نزلاء المركز كان يتلقى العلاج لمدة 13 شهراً ويبدي التزاماً رائعاً، إلى أنه حضر ذات يوم مرتبكاً وفي حالة سيئة، وحين سأله عن السبب أخبره بأنه ضعف الليلة السابقة، وتعاطى المخدرات. وأكد أميري أن المركز لا يعتبر هذا فشلاً أو إخفاقاً لكنه طريق للنجاح، فالهفوات واردة في مشوار التعافي، وفي ظل أنه شعر بالذنب، وحضر بإرادته فلا يمكن أن نرده أو نلومه أو نسجنه، بل تم احتضانه وتوفير الدعم النفسي الكامل له حتى عاد إلى الطريق الصحيح وواصل حياته بنجاح.