إرادتهم لا تلين وعزيمتهم لم تنكسر، رغم مرور 73 يوماً على بدء الحرب. هم أهل فلسطين، وفى القلب منهم أبناء غزة، الذين لاحقتهم قذائف الاحتلال، ومنعت عنهم وصول الإمدادات وقطعت عنهم الكهرباء، وهو ما أعادهم للعصور البدائية، حيث يستخدمون «وابور الجاز» كوسيلة أساسية لإعداد الطعام الذى يسد رمق أطفالهم.
«وابور الجاز» سلاح أهالى غزة لسد البطون
داخل محل متهالك بجنوب غزة، يقف المهندس محمود الهمص، بين مجموعة من الحدايد والصاجات وبوابير الجاز القديمة، التى يتعدى عمرها الـ70 عاماً، يبحث عن قطع غيار لتصليحها ومساعدة الأهالى فى استخدامها، لإعداد الطعام بشكل مجانى أو بأجر رمزى: «أنا مهندس تبريد وأستاذ جامعى خريج إحدى جامعات ألمانيا، لكن الحرب جلعتنا نترك كل شىء ونعود لمهنة أجدادنا، هذا الوابور كان مهنة أبويا من 70 سنة وقت استيرادها من الخارج زمان كانت تحتاج لتصليح وصيانة، فبرع والدى فيها».
يواصل «محمود» حديثه: «بنساعد الناس علشان تقوم بواجبات البيت، تسخين مياه، إعداد طعام، وغيره، ورجعنا ليه لعدم توافر الغاز والكهرباء، بنحاول نصلح البوابير اللى عمرها 70 سنة، وبنجيب قطع غيار ونصلحها مجاناً أو بأجر رمزى علشان الحياة صعبة، ورجعنا ليها فى 2008 لما الكهرباء قطعت ومنعوا الغاز والوقود، وكذلك فى 2014 نفس القصة، مع كل أزمة بيكون هو وسيلة الستات للعيش».
نزحت إيناس عسقلان، 47 عاماً، وأسرتها من شمال غزة إلى منطقة الجنوب هرباً من الحرب ونفاد الوقود، تركت منزلها وكل شىء وراءها من أجل إنقاذ حياة أبنائها، ولم تجد سوى «وابور الجاز» لإعداد الطعام البسيط لأسرتها: «ما بقى قدامنا غير وابور الجاز أو الحطب علشان نقدر نطعم ولادنا، ما فى وقود ولا إشى».
«وابور» واحد تتبادله «إيناس» مع مجموعة من النازحين فى مخيمات رفح، تطهو الأسرة عليه الطعام، ثم تقوم أخرى باستعارته لإعداد طعام أو تسخين مياه إن وجدت، وفق إيناس: «هو وابور واحد بنتبادله كلنا، ما كل الناس تقدر تجيبه لأنه قديم وما متوفر الآن فى فلسطين كلها، فاضطرينا نصلّح القديم ونستخدمه كلنا».
«وابور الجاز» سلاح سيدات لمواجهة الحياة
بين ليلة وضحاها تبدّل كل شىء، ودّعت السيدة «حليمة طعيمة» حياتها الهادئة، دمَّر القصف يومياتها كما دمر جدران بيتها، إلا أنها حرصت على اصطحاب «وابور الجاز» فى حقيبتها البسيطة التى حملتها من غزة إلى جنوب رفح الفلسطينية، ليكون هو الأداة الوحيدة التى تستخدمها لتسيير حياة أسرتها: «لما نزحنا الوابور كان رفيقى، فى كل مرة بتقوم فيها الحرب هو أول حاجة بجهزها تحسباً للنزوح، علشان بعرف إنه الأداة اللى هتخلينا نطبخ وناكل».
توارثت «حليمة» وابور الجاز عن والدتها، التى اشترته قبل 50 عاماً: «الوابور ده توارثناه من أمهاتنا، كان وسيلتهن زمان لإعداد الطعام، علشان كده محافظين عليه وعارفين إنه هيكون وسيلتنا فى إعداد الطعام مع كل أزمة، وفى الشتاء أكثر علشان ما فيه غاز ولا كهرباء».
«وعهد الله هنعمّرها حتى لو بوابور الجاز.. هنعيش وهنتحدى وهنعدى وهننتصر»، قالها عم عدنان المحمودى، البالغ من العمر 74 عاماً، والذى يعتمد على وابور الجاز كأداة رئيسية فى إعداد الطعام هو وزوجته: «هاد الوابور أصبح رفيقنا، وشاهد على جرائم الاحتلال، مع كل جريمة ونزوح ونكبة بيكون هو أول إشى بناخده معانا، وغير استخدامه فى الطهى وتسيير الحياة، كمان بنسلفه لأهالينا».