في الصحراء المتاخمة لمدينة إدفو شمال أسوان، يتجلى عشق أهلها لتربية الخيول العربية الأصيلة المزينة بعقود من الفضة، والخلاخيل، والخمسة وخميسة والشراشيب التي تتدلى وسط عيونها، لتصدح مكبرات الصوت بأنغام المزمار الصعيدي وسرعان ما تتبختر هذه الخيول متألّقة ترمح بخطوات رشيقة في مشهد مليء بالعادات والتقاليد على هامش لعبة المرماح.
في هذا السياق، يعبر علي البلك الذي يتجاوز عمره 60 عاما عن حبه العميق للخيول، وقرر أن يشارك بحصانه القوي «المدهش» في سباق المرماح وقبل هذا يهتم برعاية حصانه بشكل كامل حيث يُطعمه ويهتم به بعناية.
شعبية كبيرة تحظى بها اللعبة الموروثة من الأجداد
تمتلك الخيول التي تنافس «المدهش» أسماء تعكس قوتها وجمالها، وتشمل «الإنجليزي» و«الشقي» و«الصاروخ» و«الراسي» و «تايسون» و«نجم الشرقية»، وهنا يكمن جمال هذه اللعبة في صعيد مصر في تلاقي الثقافة المحلية وشغف الأهالي بتربية الخيول والمشاركة في التنافس الشرس، فيظهر عشقهم للخيول وحرصهم على الحفاظ على تراثهم الذي يجعل هذه اللعبة تحظى بشعبية كبيرة وتعكس روح المجتمع.
فرسان في صابية الخيول على طريق مرسى علم
يقول علي البلك لـ«الوطن» إن العادات والتقاليد، في إدفو تتجلى هنا في الصابية وهو المكان المخصص للسباق في الصحراء الواقعة على طريق ادفو مرسى علم بما فيها الأزياء، والاحتفالات والطعام إضافة إلى الموروثات الشعبية المتمثلة في المزمار الخلفية المبهجة لهذه اللغة الشعبية الجماعية التي تقام في غالبية قرى وبلدان صعيد مصر، مشيرًا إلى أنها تجسد معارك الخيول القديمة، وبموجبها يدعو شبان القبيلة المنظّمة للحدث فرسان القبائل الأخرى للتباري بالفروسية.
لعبة متجذرة في الموروث الشعبي
لكن الأربعيني محمد أبو إسماعيل أحد فرسان قبائل مدينة إدفو يقول إن أطياف الثقافة الشعبية، يصعب تحديد تاريخ دقيق لنشأة لعبة المرماح وأصولها،بكن ارتباطها بسكان المدينة من حدود الجدود في تعبير عميق يصف به تجذر تلك اللعبة من ايام المصريين القدماء فالثقافة الشعبية تنشأ من الوجدان الجماعي للشعوب أو الجماعات، وتُعتبر سباقات المرماح لعبة شعبية تتميز بطابع خاص، إذ تجمع بين التراث العربي الذي يحتفي بالخيول وبين استخدامها بالحروب والمعارك.
ورجح الرجل الذي قضى سنوات منذ صغره في سباقات الخيل بأسوان وقنا واسنا باحثا في أصل المرماح، أنه بعد دخول قبائل العرب إلى مصر واستيطان أغلبها في صعيد مصر، أصبحت القرى في صعيد مصر ساحة ازدهرت فيها الألعاب الشعبية، بشكل متناغم مع الهوية المصرية ومن أبرزها الرمح والعدو الخيول، وذلك لاستعراض القوة والمهارة في ركوب الخيل.
محمد أبو إسماعيل الذي جاء رفقة عدد من قبيلته بحصانهم ‘نجم الشرقية” إلى مدينة ادفو لفت إلى أنّ المرماح لا يُعتبر سباق فروسية فقط إنما محاولة لخلق نوع من التفاخر والفارس لبراعته في الفروسية وركوب الخيل، وإعلاء شأن وسمعة القبيلة التي ينتمي إليها، والحصان أو الفرس الذي يمتطيه.
وتشهد المنطقة بحسب محمود جمعة أحد أهالي وادي عبادي إقامة حلقات الذكر جنبًا إلى جنب مع المرماح، احتفالا بمولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم وكذلك الشيخ مصطفى عبد السلام أحد أولياء القرية والذي يعود نسبه إلى أهل البيت وهي مناسبة توافد عليها جميع القبائل في الصعيد والقرى المجاورة.
وأوضح أن فعاليات المرماح تقام على بعد 20 كيلو متر من مدينة إدفو و تشهد حضور أعداد غفيرة من أهلها من الشراونة إلى الرمادي، الذين يتجمعون أطفالًا وشباب وشيوخ حول الصابية أو حلقة المرماح لمشاهدة عروض الفرسان التي تعكس مهارتهم بالفروسية، إلى جانب كونها مظهرًا من مظاهر الفخر بحصان القبيلة.
عرفة أبو نعيم أحد القائمين على عملية تنظيم السباق وينتمي إلى قرية أبو غلاب يقول إن التجهيز لفعاليات المرماح تتم بشكل كامل قبل يوم واحد، حيث تأتي عربات محملة بالمياه وأخرى محملة بألواح الثلج وغيرها من المواد الغذائية والمشروبات كالشاي والقهوة استعدادا لهذا الحدث الذي يضفي على سكان ادفو جوا من البهجة والسعادة.
ويضيف أن السباق يقام في مضمار كبير في الصحراء المتاخمة لمدينة ادفو على أطراف منطقة البرامية التابعة لمرسى علم في محافظة البحر الأحمر وفي قلبها تحتوي الآلاف من أهالي إدفو في مشهد يمتليء بالعادات والتقاليد.