فى محاولة لاقتحام مناطق جديدة وغير تقليدية فى مواجهة التلوث وتوفير بيئة صحية للمواطنين، أعلنت وزارة البيئة مؤخراً تبنيها ودعمها للدليل الإرشادى للمركز الدولى لأبحاث الهواء النظيف للتخفيف من التعرّض لانبعاثات الطهى، الذى يتضمن معلومات تفصيلية مبسطة عن الأمراض التى يمكن أن تنتج عن التعرّض لتلوث الهواء الداخلى نتيجة الوقود المستخدم فى الطهى، والتى تشمل طيفاً واسعاً من الأمراض من الصداع وضيق التنفس، وصولاً إلى أمراض القلب الرئوى والسكتة الدماغية وسرطان الرئة.
ويحاول الدليل تقديم فهم تفصيلى للعوامل التى تسهم فى زيادة التأثر بالتلوث الناتج عن الطهى، ومن بينها نوع وقود الطهى، وطريقة الطهى، وظروف التهوية، ووقت التعرض، وفى المقابل يقدم عدداً من التوصيات لتقليل وتفادى التأثر بهذا النوع من التلوث، بدءاً من وضع تصميمات تراعى جودة الهواء وتجديده داخل المطبخ، وحتى تجنّب أو التقليل من الطرق غير الصحية فى الطهى، وعدم الوجود فى المطبخ دون داعٍ.
احترس من «القلى»
القلى هو النشاط الأكثر انبعاثاً للجسيمات، إذ يسهم بشكل كبير فى تشكيل انبعاثات الجسيمات الدقيقة الضارة أثناء الطهى. ويمكن أن يؤدى اعتماد أفضل الممارسات التى تعمل على تحسين جودة الهواء فى المطبخ، خاصة أثناء القلى، إلى تقليل تعرّض الموجودين بشكل كبير لانبعاثات الجسيمات الدقيقة أثناء الطهى.
وفى المقابل، يجب على شاغلى المنازل تحسين التهوية أثناء القلى عن طريق فتح الأبواب والنوافذ وتشغيل مروحة الشفط إن وُجدت، كما يجب التقليل من كمية الطعام المقلى أثناء الطهى. واستخدام طرق طهى بديلة، مثل الطهى بالبخار أو التحميص فى الفرن، وزيادة استهلاك الأطعمة النيّئة، عندما تكون آمنة، كما يجب إبعاد أفراد العائلة عن المطبخ أثناء القلى للتقليل من الانبعاثات الضارة التى يستنشقونها.
التهوية الصحية لمواجهة التلوث
يمكن أن يؤدى تعزيز التهوية الداخلية الصحية عن طريق فتح النوافذ والأبواب أثناء الأنشطة التى تنبعث منها الملوثات (مثل الطهى)، إلى تقليل تعرّض البشر الموجودين للملوثات وحماية الصحة. وهنا يجب تركيب «مراوح شفط» من شأنها أن تُحد أيضاً من تراكم الملوثات والبخار، مما يُقلّل من المخاطر الصحية. ويمكن أن يؤدى استخدام مراوح الشفط وإبقاء الأبواب والنوافذ مفتوحة، إلى تقليل متوسط التعرّض للجسيمات داخل المطبخ بنحو مرتين، مقارنة بظروف التهوية الطبيعية من خلال الأبواب المفتوحة وحدها. ويمكن لمراوح الشفط، جنباً إلى جنب مع الأبواب والنوافذ المفتوحة، تقليل تعرّض شاغلى المطبخ للجزيئات الدقيقة بمقدار الضعف.
وفى هذا الإطار، يجب الحرص على وجود موقد الطهى والفرن بالقرب من النافذة، لإزالة أبخرة الطهى بشكل أسرع. وينبغى فتح نوافذ وأبواب المطبخ أثناء وبعد الطهى، لإزالة الملوثات المتبقية المحتمَلة.
الوجود فى المطبخ دون داعٍ.. خطر على الصحة
نظراً لأن الانبعاثات الناجمة عن الطهى تشكل خطراً على صحة الإنسان، يجب على الأشخاص غير المشاركين فى الطهى، مثل (الأطفال وكبار السن والنساء الحوامل وذوى الحساسية أو أمراض الجهاز التنفسى) تجنّب الوجود فى المطبخ أثناء الطهى، كما أن أولئك الذين يطبخون يجب أن يغادروا المطبخ عندما لا تكون هناك حاجة للإشراف، وذلك لتقليل تعرّضهم لانبعاثات الطهى.
تصميمات تراعى جودة الهواء
يجب الاستعانة بأساليب البناء الخضراء التى تأخذ فى الاعتبار تحسين جودة الهواء الداخلى، من خلال تخصيص أحجام أكبر للمطابخ، بما فى ذلك نوافذ وشُرفات أكبر وأوسع، وتركيب أجهزة مراقبة جودة الهواء الداخلية (مثل شاشات ثانى أكسيد الكربون)، وتركيب مراوح هواء مناسبة (على سبيل المثال شفاطات الموقد/ ومراوح الشفاط)، وتركيب مداخن لتصميمات المطابخ المفتوحة والتهوية وتوفير توصيلات وقود أنظف (خاصة الغاز الطبيعى والطهى الكهربائى)، وإعداد دورات تدريبية إلزامية لمصممى المبانى.
وفى هذا السياق، اتضح أن المطابخ كبيرة الحجم التى تزيد مساحتها على 54 متراً مكعباً، توجد بها مستويات أقل من ثانى أكسيد الكربون بنسبة 03% تقريباً ومعدلات تهوية أعلى بثلاث مرات من المطابخ صغيرة الحجم (أقل من 5 أمتار مكعبة)، لأنها تسمح لانبعاثات الطهى بالانتشار بشكل أكثر فاعلية. وفى المقابل تتراكم فى المطابخ صغيرة الحجم الجسيمات وتركيزات ثانى أكسيد الكربون بسرعة أكبر من المطابخ كبيرة الحجم، نظراً لوجود مساحة أقل للتشتت.
تغيير وقود الطهى لصحة أفضل
لأن تهديد تغيّر المناخ يقود الأجندات الوطنية والعالمية نحو استخدام وقود أنظف وطاقة متجدّدة، ينبغى ألا يقتصر التحول على قطاعى الصناعة والنقل، ويجب أيضاً التخلص التدريجى من استخدام أنواع وقود الطهى الملوثة، مثل الفحم والكيروسين، لاسيما أن التعرّض المباشر للانبعاثات الداخلية من هذه الأنواع من الوقود يسهم فى حدوث تأثيرات صحية كبيرة، ويتطلب تجنب ذلك جعل الوقود النظيف ومواقد الطهى المتوافقة أكثر سهولة وبأسعار معقولة.
يمكن أن يقلل استخدام الغاز الطبيعى وغاز البترول المسال (LPG) فى الطهى من متوسط التعرّض للجسيمات الدقيقة أثناء الطهى بمقدار 1.3 و3.1 مرة على التوالى، مقارنة بوقود الفحم. وقد تم رصد أن المطابخ التى تستخدم مزيجاً من غاز البترول المسال والطباخات الكهربائية بها انخفاض فى مستويات ثانى أكسيد الكربون بأكثر من الثلث، مقارنة بتلك التى تستخدم الكيروسين.
مستويات التلوث داخل المطبخ
يجب معرفة مستويات الملوثات فى الأماكن المغلقة، أو تحديداً «المطبخ»، باعتبارها الخطوة الأولى باتجاه اتخاذ الإجراءات التصحيحية. وتشير مستويات ثانى أكسيد الكربون إلى ظروف التهوية وتوضح تراكم ملوثات الهواء فى الأماكن المغلقة، كما تعد مراقبة معايير جودة الهواء الداخلى التى يمكن قياسها بسهولة مثل الجسيمات أو أول أكسيد الكربون أو ثانى أكسيد الكربون إجراءً عملياً للسلامة الوقائية. وعلى أصحاب المنازل أن يكونوا على دراية بالمصادر والأنشطة الأخرى التى تسهم فى تلوث الهواء الداخلى، والتى تشمل: الغبار، والتنظيف بمنتجات التنظيف، والتدخين، وإعادة تعليق الغبار، ورش طارد البعوض، وحرق البخور أو الشموع، والأسطح المطلية، والتدفئة. كما يجب اتخاذ الاحتياطات اللازمة مثل توفير التهوية المناسبة والتنظيف بانتظام لتجنّب تراكم الغبار.
الآثار الصحية لتلوث الهواء الداخلى.. تؤدى إلى الوفاة
4 ملايين شخص تقريباً يتوفون قبل الأوان بسبب الأمراض التى تُعزى إلى تلوث الهواء الداخلى الناتج عن استخدام أنواع الوقود شديدة التلويث، مثل الفحم أو الخشب للطهى.
تتراوح الآثار الصحية بين الحادة والمزمنة، اعتماداً على العمر والجنس ووقت التعرّض والمسافة من المطبخ وترتيبات التهوية ونوع الوقود.
يؤدى تدنى جودة الهواء الداخلى إلى أمراض حادة مثل الصداع، والتعب، والنعاس، والغثيان، وضيق التنفس، والقلق، وأمراض الأنف والحنجرة، والذهول (تخدير ثانى أكسيد الكربون).
تشمل الأمراض المزمنة المصاحبة: أمراض القلب والالتهاب الرئوى والسكتة الدماغية وسرطان الرئة والانسداد الرئوى المزمن، وفى بعض الحالات إعتام عدسة العين.
يمكن أن يؤدى تعرّض المرأة الحامل لتلوث الهواء الداخلى إلى زيادة خطر تعرّض رضيعها للولادة المبكرة أو انخفاض وزنه عند الولادة.