(ما رأيتُ إلا جميلا ، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فتُحاج وتُخاصم فانظر لمن القلج يومئذ ) بهذه الكلمات الشجاعة والمعبرة عن حالة الرضا والتسليم المطلق لإرادة الله ومشيئته وقفت بطلة كربلاء عقيلة بني هاشم السيدة زينب عليها السلام أمام والي الكوفة عبيد الله بن زياد بعد فجيعة الطف وإستشهاد أقمار بني هاشم ورفقاء سيدنا الحسين عليه السلام وبعد أن نفضت الرماح والسيوف والحجارة عن جسد أخيها الطاهر ورفعت رأسه الشريف على يديها قائلة (اللهم تقبل منا هذا القُربان).
ومن خلال هذا الموقف العظيم الذي جسدت من خلاله أيضا أسمى معاني البطولة أمام هولَ ما رأت وعظيمَ ما حدث دون ضعفٍ أو وهن وبعد أن أخُذت سبية هي وحرائرُ أهل بيت النبوة حاسراتٍ مهتوكاتِ الستر مواجهةُ كل محاولات الإحباط والتوهين والشماتة حينما قال لها (أرأيتِ صُنع الله بأخيكِ وأهل بيتك؟؟) كان هذا الرد المُفحم الذي خرج منها وهي في قمة الانضباط والاتزان النفسي وقوة الإرادة والعزيمة في تلك اللحظات الحرجة من موقع إيمانها العميق بإرادة الله ومشيئته التي خير لكل مؤمن ومؤمنة حيث قال رسول الله صلى الله عليه وآله (عجبا لأمر المؤمن أمره كله خير إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبرفكان خيرا له) وأيضا قول أخيها الحسين عليه السلام (من اتكل على حُسن اختيار الله تعالى له لم يتمن غير ما اختاره الله عز وجل له).
فمن خلال هذه النشأة النبوية كان لها هذا الموقف الذى أبى أن يُمحى من صفحات التاريخ الإنساني في لحظات لم تتعرض لها سيدة في التاريخ البشري وأن تصمد هذا الصمود غير آبهة بالطغاة والمجرمين الذين لم يتورعوا بسفك دماء أهل بيت نبيهم صلى الله عليه وآله بدم بارد بل إنطلقت بكل عزم متحدية الظلم والإستبداد وفاضحة خيانة هؤلاء للإسلام بكل رباطة جأش وبنفس مطمئنة متحملة للآلام متجرعة كل أنواع الغَصص محتسبةً عند الله غير تاركة مجالا لهم أن يهزموا فيها الثقة بالله ويقينها بعواقب الأمور ذلك الإسلام الذي باعوه من أجل السلطة والمال بعد أن تصوروا أنه تم إخراس كل الألسنة التي يمكنها معارضتهم فلم تكتفِ عليها السلام بهذا الموقف مع والي الكوفة بل واجهت بنفس هذا الموقف الشجاع الخليفة يزيد بن معاوية نفسه عندما سيقت له أسيرة هي وأهلها مكبلين من العراق إلى الشام فقالت له (أظننتَ يا يزيد حين أخذتَ عليا أقطار الأرض وآفاق السماء فأصبحنا نساق كما تساق الإماء ؟؟ أنسيت قول الله تعالى “ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين” صدق الله العظيم ، أمنَ العدلِ يابن الطلقاء تخديرك حرائرك وإمائك وسوقُك بنات رسول الله سبايا وقد هتكتَ ستورهن وأبديتَ وجوههن تحدوا بهن الأعداء من بلد إلى بلد ؟؟ فوالله ما فريتَ إلا جلدك وما حززت إلا لحمك ولترِدن على رسول الله صلى الله عليه وآله بما تحملت من سفك دماء ذريته وانتهكت من حرمته في عترته ولحمته ألا فالعجب كل العجب لقتل حزب الله النُجباء لحزب الشيطان الطلقاء ولئن جرت علي الدواهي مخطابتك إني لأستصغرُ قدرك وأستعظمُ تقريعك وأستكثرُ توبيخك لكن العيون عبرى والصدور حَرى) وتختم بقولتها الخالدة له المزلزلة عروش الطغاة (فكد كيدك واسعَ سعيك وناصب جهدك فوالله لا تمحو ذكرنا ولن تميت وحينا ولا يرحضُ عنك عارها وما رأيك إلا فند وأيامك إلا عدد وجمعك إلا بدد يوم ينادي المنادى ألا لعنة الله على الظالمين)
نعم هي زينب بضعة الزهراء وقدوة النساء مثل أمها وارثة منها القوة والشجاعة والسعي لدحض الباطل ورفض الظلم والعدوان ببلاغة كلام وفصاحة لسان وحسن منطق فصلوات الله وسلامه عليها وعلى أمها وأبيها وجدها أشرف المرسلين.
مبارك اسمها طابت وطبتم *** وطاب وليكم دنيا وأخرى
وفي الجنات زغردة وعيد *** تناثر روضها وردا وزهرا
بمولد زينب الحوراء يحلو*** لأهل ولائها الصلوات جهرا