لم تكن مجرد عرائس تثير البهجة فقط فى النفوس، وينتظرها الأطفال بفارغ الصبر كل عام فى شهر رمضان الكريم، بل تحولت عرائس مسلسل «بوجى وطمطم»، من إبداع الفنان الكبير محمود رحمى، إلى جزء لا يتجزأ من التراث والفن المصرى، على مدار 18 موسماً غرست تأثيرها فى وجدان الشعب المصرى كله، حتى صار وجودها هو أساس الاحتفال بالشهر الكريم، وكان انتشار شخصيات المسلسل فى صناعة زينة رمضان كل عام أبرز دليل على ذلك.
«فوقية»: انتشارهما في كل مكان صدقة على روح الفنان رحمي وتعبير عن الأصالة المصرية
تحكى فوقية رحمى، أرملة مؤلف ومخرج مسلسل «بوجى وطمطم»، ذكرياتها مع المسلسل، ورأيها فى انتشار استخدام شخصيات المسلسل فى صناعة زينة رمضان على مدار سنوات: البداية كانت عام 1983، حيث تم تصميم 4 شخصيات هى بوجى وطمطم وزيكا وزيكو، 4 شخصيات تستمر فى العرض لمدة 5 دقائق وكان أساس العرض هو تعديل سلوكيات الأطفال وتوجيههم تربوياً، وطلب من الشاعر العظيم صلاح جاهين تصميم «غنوة» لكل حلقة لا تتجاوز الدقيقة ونصف، وكان رد فعل الجمهور هو الإعجاب الشديد والتعلق بشخصيات المسلسل، خصوصاً من جانب الأطفال، لذا فى العام التالى صارت مدة المسلسل 15 دقيقة، واستمرت زيادة المدة الزمنية لعرض المسلسل حتى وصلت إلى 30 دقيقة.
وكان الفنان رحمى أول من استخدم راقصى الباليه فى تحريك العرائس فى مصر وليس فقط فى التليفزيون المصرى، والحكاية تعود إلى أن المحركين التقليديين للعرائس الذين تم استخدامهم خلال تنفيذ حلقات المسلسل، لم يشعر معهم «رحمى» بأنهم يقدمون له كل ما يرغب فيه من حيوية للأداء، فقرر الاعتماد على راقصى باليه، واستقدم 30 راقص باليه أعمارهم تتراوح بين 12 و16 سنة، أى فى المرحلتين الإعدادية والثانوية، وعمل على تدريبهم على تحريك العرائس، واستمر فى الاعتماد على هؤلاء الراقصين إلى آخر موسم، وعندما يكبر هؤلاء الراقصون، يأتى براقصين آخرين، فتم الاعتماد على 3 أجيال على مدار 18 عاماً: «أنا نفسى كنت مندهشة من هذا الاختيار، فقد نجح هؤلاء الراقصون فى تحريك العرائس بطريقة هائلة وكأنهم معتادون على الأمر، وعندما سألت «رحمى» عن سر هذا الاختيار، أخبرنى بأن لديهم توافقاً عضلياً عصبياً وبصرياً هائلاً بسبب الرقص، فهم يتميزون بسرعة البديهة، ويمكنهم تحريك أيديهم لفترة طويلة دون الشعور بالتعب، كما أنه يرى أن لديهم اهتماماً بالفن وحساً موسيقياً عالياً».
بصفتها مهندسة، كان لـ«فوقية» دور فى تنفيذ شكل العروسة كما يرغب الفنان رحمى، وبعد زواجهما عام 1984 استمر عملهما معاً: «أستطيع أن أقول إننى أحد الأسباب التى جعلت عروسة بوجى وطمطم ما زالت مستمرة حتى الآن، لأنه عند العمل فى التليفزيون يقدمون لنا الخامات والرسومات ويطلبون منا تنفيذ العرائس بحسب التصميم المرسوم، وبعد عدة أعوام، تبدأ من 5 سنوات وتصل إلى 10 سنوات، يتم «تكهين» تلك العرائس، أى التخلُّص منها بوضعها فى المخازن، لأنها إما أصبحت قديمة أو أن صلاحيتها انتهت، فخامات العرائس «تذوب» بعد فترة من كثرة الاستخدام، وقتها اقترحت على «رحمى» أن يتم تصميم عرائس بوجى وطمطم بخامات نشتريها بأنفسنا من الأسواق ونصنعها فى منزلنا وفق أذواقنا، فبوجى وطمطم صنعناهما فى بيتنا فى ورشة يملكها «رحمى» لتصميم العرائس، وأقوم بتجديدهما بيدى كل فترة».
تحكى «فوقية» عن حب «رحمى» لبوجى وطمطم: «كانا يجريان فى عروق رحمى، وكل سنة كان يحرص على تطوير الشخصيات، وكذلك تحسين شكل العروسة وطرح أفكار جديدة لمناقشتها داخل المسلسل، حتى شكل النص والحوار كان يتجدد باستمرار، كما كان يضيف الشخصيات المتنوعة كل عام.
وعن استمرار «بوجى وطمطم» حتى الآن وتحولهما إلى أيقونة للزينة الرمضانية، أوضحت: «هذا تعبير عن الأصالة المصرية، فحب المصريين لشخصيات بوجى وطمطم مستمر حتى الآن لأنهم وجدوا فى المسلسل تشابهاً مع تفاصيل حياتهم، ولأن الفنان رحمى عندما صنع المسلسل لم يعتمد على الخيال فقط، بل كانت الحارة الشعبية وتفاصيلها هى أساس انطلاقه، أما الآن فلا يوجد مسلسل يناقش قضايا الأطفال بنفس الشكل، بل إننا نعتمد على الكرتون والمسلسلات الأجنبية التى لا تناسب عاداتنا وتقاليدنا».
لا تشعر «فوقية» بالضيق من استنساخ شخصيات مسلسل بوجى وطمطم فى كل أنواع الزينة المرسومة والمجسمة، بل تشعر بالفرح إذا وجدت الباعة والصناع البسطاء الذين يقيمون الشوادر فى الشوارع يستخدمون بوجى وطمطم فى شخصياتهم: «لأنهم اهتموا بمفهوم الأصالة فى عملهم، واعتبروا ما يصنعونه صدقة على روح الفنان رحمى، البسطاء لا يمكن محاسبتهم على حب بوجى وطمطم، أما الشركات الكبيرة التى تستخدم بوجى وطمطم لجنى الأرباح دون وجه حق، فهؤلاء من يحب مقاضاتهم، وأنا بالفعل أسير فى إجراءات التقاضى تجاه شركة كبيرة تطلق عرائس بوجى وطمطم فى الأسواق بسعر يصل إلى 1500 جنيه، ويكسبون ملايين من تراثنا دون وجه حق، لذا يجب إيقافهم».