تدفع إسرائيل المنطقة نحو التصعيد العسكري وتوسيع دائرة الصراع، ليخرج من قطاع غزة ممتدًا إلى مساحات أخرى، وهى في هذا تعتمد على سياسة إيران العدائية تجاهها، واستثمارها للحرب في غزة لتحقيق مكاسب إقليمية تزيد من نفوذها داخل المنطقة العربية، الأمر الذي يثير التساؤلات حول مستقبل توازن القوى في الشرق الأوسط، على ضوء التفاعلات الجارية في المنطقة والمتزامنة مع الحرب في غزة.
ونشر المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، دراسة لتحليل واقع القوة الإسرائيلية في الوقت الراهن والعوامل المؤثرة عليها، والمرتبطة بإسرائيل ذاتها أو بمحيطها الخارجي.
وتناولت الدراسة عدة محاور يمكن إيجازها فيما يلي:
القدرة على الردع
أولا: تعتمد إسرائيل بدرجة كبيرة على قوتها العسكرية في تحقيق أمنها بصفة عامة وفى تأكيد قدرتها على الردع بصفة خاصة، ومع إصرارها على توسيع العمل العسكري داخل غزة ليمتد إلى مدينة رفح أو خارجها بهجومها على القنصلية الإيرانية فى دمشق أو الاشتباك مع حزب الله في لبنان فإنها تهدف لاسترداد القدرة على الردع بقدر استهدافها للقضاء على حماس.
دعم أمريكي
ثانيًا: تعد الولايات المتحدة هي الحليف الأساسي عسكريا واقتصاديًا وسياسيًا لإسرائيل، وينعكس هذا بوضوح فى الوقت الراهن باستمرار دعمها لإسرائيل، مع أنّ اختلاف الرؤى بينهما على المستوى التكتيكي، هذا الدعم أدى لتدخل الولايات المتحدة مباشرة فى المنطقة وعملها المستمر لصد هجمات الجماعات التابعة لإيران سواء فى اليمن أو في العراق، ومن غير المتوقع أن يتأثر هذا الدعم الأمريكي رغم ما يوجه من انتقادات لإدارة بايدن، التي تواجه المزيد من الصعوبات فى المنطقة فى محاولتها لفرض مصالحها ورؤيتها عليها.
قدرات عسكرية
ثالثًا: تمتلك إسرائيل قدرات عسكرية استراتيجية (نووية) وتقليدية ونوعية سيبرانية- تكنولوجية- متقدمة تجعل جيشها واحدًا من الجيوش القوية فى المنطقة، وتتحسن مؤشراتها الاقتصادية نسبيًا فى الربع الأول من هذا العام على الرغم من انخفاض مستواها الائتماني، وهذا يعود إلى حد كبير إلى الثقة فى الاقتصاد الإسرائيلي وفى الدعم الأمريكي له، والمرونة الاقتصاد الإسرائيلي الخدمي، إلى جانب المزايا النسبية لدى إسرائيل مثل تقدمها التكنولوجي ووجود طلب مستمر على صادراتها.
تحالف القوى
رابعًا: تتجه المنطقة إلى تشكيل التحالفات والتكتلات تحالف تقوده إيران ويشارك فيه وكلائها من الجماعات المسلحة المنتشرة فى المنطقة، وربما تدعمه قوى كبرى فى المستقبل مثل الصين وروسيا من خلال علاقاتهما بإيران، وتحالف تقوده الولايات المتحدة وتشارك فيه إسرائيل ودول الخليج وربما تركيا، لكن مع غياب العلاقات المباشرة ما بين أطراف هذا التحالف المحتمل بينما تحريكه من خلال الولايات المتحدة.
التوازن الاستراتيجي
خامسًا: الحفاظ على التوازن الاستراتيجي هو الخيار الأمثل لمصر في الإقليم، وهذا الخيار له مزاياه فى الحد من التورط فى المشكلات والصراعات الإقليمية التى يمكن أن تستنزف القدرات المصرية، التي يجب أن تسخر للمشروع التنموي ومواجهة التحدي الاقتصادي القائم، بما لا يخل بمتطلبات الحفاظ على الأمن القومى المصري.
لكن يبدو أن هذا الخيار يتطلب الحذر الشديد في تنفيذه، حتى لا تتشكل ترتيبات إقليمية أمنية أو اقتصادية، بعيدًا عن مصر بما يعرضها لعزلة إقليمية، أو يزيد من نفوذ قوى إقليمية أخرى عربية أو غير عربية على حساب المكانة المصرية.
إسرائيل من الداخل
سادسًا: يبدو أن الداخل الإسرائيلي يحافظ على قوة تيار اليمين الذي تمثله أغلب القوى السياسية المؤثرة فى النظام الحزبي، لكن هذا لا يحول دون وجود انتقادات حادة للحكومة الإسرائيلية الراهنة وأن ارتباط مستقبلها مرتبط باستمرار الحرب وتوسعها لأطول فترة ممكنة، ولذلك فإنه فى حالة توقف الحرب يمكن أن تتجه الدعوة لانتخابات برلمانية مبكرة تأتي بحكومة جديدة يمينية تميل إلى الاعتدال النسبى حفاظًا على الائتلاف، وللحد من فرص عودة الاحتجاجات الداخلية سواء بسبب الرهائن أو بسبب مشروع قانون الإصلاح القضائي.
الشرق الأوسط
سابعًا: مستقبل التوازن فى الشرق الأوسط يتوقف لحد ما على تطور الصراع بين إيران وإسرائيل، ومدى قدرة الولايات المتحدة على السيطرة على تحركات الدولتين.
وعلى مستوى آخر، فإن هناك تنافسا بين بعض دول الخليج السعودية والإمارات على النفوذ فى المنطقة العربية وإفريقيا، قد يكون هذا التنافس عاملا في إثارة بعض التوتر ومحاولة لاستقطاب القوى الإقليمية الأخرى، بما يؤثر فى المحصلة على حالة التوازن المحتملة فى الشرق الأوسط.
موقف مصر
بدورها، أعربت جمهورية مصر العربية فى بيان صادر عن وزارة الخارجية مساء السبت، عن قلقها البالغ تجاه ما تم الإعلان عنه من إطلاق مسيرات هجومية إيرانية ضد إسرائيل، ومؤشرات التصعيد الخطير بين البلدين خلال الفترة الأخيرة، مطالبةً بممارسة أقصى درجات ضبط النفس لتجنيب المنطقة وشعوبها المزيد من عوامل عدم الاستقرار والتوتر.
واعتبرت مصر أن التصعيد الخطير الذي تشهده الساحة الإيرانية-الإسرائيلية حاليًا، ما هو إلا نتاج مباشر لما سبق وأن حذرت منه مصر مرارًا، من مخاطر توسيع رقعة الصراع فى المنطقة على إثر الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والأعمال العسكرية الاستفزازية التي تمارس فى المنطقة.
وأكدت مصر على أنها على تواصل مستمر مع جميع الأطراف المعنية لمحاولة احتواء الموقف ووقف التصعيد، وتجنيب المنطقة مخاطر الانزلاق إلى منعطف خطير من عدم الاستقرار والتهديد لمصالح شعوبها.