بحركات حرفية ماهرة، وأعصاب قوية يتحكم في مجموعة أدوات بين يديه، ليصنع منها تحفة فينة بأغلى قيمة من الذهب الخالص عيار 24، والذي يعد أجود أنواع الذهب، وربما لا يستطيع البعض أن يتزين به كحلي لارتفاع سعره، إلا أن إبراهيم الشربيني له زبائن يقتنون أثاثا منزليا مُطعم بالذهب الخالص، ينفذ لهم «فن مخصوص» لا يجيد سواه تلك المهنة المتعلقة بصناعة الأثاث في دمياط.
ليس بإمكان أي شخص أن يتقن مهنة «المذهباتي» بسهولة، لما تتطلبه من تدريب ومهارة عالية ودقة في استخدام أدواته، حسبما يقول «الشربيني» صاحب الـ68 عاما، والذي قضى منها 56 سنة في المهنة: «الدهب الفينو الفرنساوي مش أي حد يلزقه»، حيث أن فرد شرائح الذهب يكون بوضعية معينة على «المخدة» المصممة لحمله خصيصًا في أثناء تثبيته على الأثاث، مضيفًا: «مش سهلة بتحكم فيها بالنفس وأعصابي»، إلى جانب إمساكه بـ4 أدوات أخرى في يديه الاثنين، ورغم صعوبتها إلا إنه بإمكان الشاب أن يتعلمها بالتدريب والممارسة المستمرة حتى الإتقان.
دهب فرنساوي 24 يستخدم في المهنة
يستغرق الأثاث المُذهب وقتا في تنفيذه بحسب الأحجام ونوع وكمية الذهب المستخدمة وبحسب الإمكانيات المادية للزبون، فضلا عن الوقت الذي الذي يستغرقه في خدمته ليتأسس ويعيش عمرا طويلا يتناسب مع قيمة الذهب الفرنساوي عيار 24 الذي يعد أجود الأنواع المستخدمة في هذه المهنة، «الدهب الفرنساوي ده عيار 24 خالص وغالي شوية»، موضحًا أنه يتم استيراده من ألمانيا وإيطاليا وفرنسا، ويأتي على هيئة شرائح رقيقة في «دفتر» لا يمكن إمساكه باليد: «لو اتمسك باليد بيروح»، ويستخدم في الأنتريهات وأطقم الصالون وغرف النوم وغيرها من الأثاث.
«القلم المية والمخدة والسكينة والبالت»، أدوات صنعها «الشربيني» بيده ليستخدمها في تذهيب الأثاث لتتماشى مع طبيعة المهنة الغالية والنفسية، التي تعلمها من أثريين أقدم منه لكنهم أصبح أشهرهم لا سيما بعد أن رحلوا وقل العاملون بها، قائلاً: «بالممارسة الواحد بيتعلمها لحد ما يتمكن منها»، وينفذها بالطلب على فترات متباعدة نظرًا لأنها تقتصر على فئة معينة من الزبائن ذوي المستوى المادي المرتفع: «مش بيعلمها غير حد مقتدر وعنده إمكانيات، كل سنتين تلاتة ييجي لنا طقم».
الشربيني 56 سنة في مهنة «المذهباتي»
وفي الفترة الأخيرة اشتهرت أنواع من الذهب المستخدم في هذه المهنة، مثل الذهب التركي وهو نوع من البلاستيك، والاستيكر النحاس والبودرة والرش والدهانات التقليدية وغيرها من الأشكال التي تعطي اللون الذهبي: «كل واحد على قد إمكانياته».
ويقتصر «الشربيني» على استخدام الذهب الفرنساوي الخالص أو الإنجليزي رغم قلة الطلبيات عليه حفاظا على مهنته وذوقها الراقي، رغم أنه لا يعمل بأي مهنة سواها: «دي مهنتي الأساسية بنحاول نتعايش مع الوضع».
يبدأ «الشربيني» عمله بتسلم أطقم الأنترية خشب، ويمارسه مهنته برقي وحركات درامية منتظمة تسر الناظرين، وعقب الانتهاء من عملية التذهيب والتلميع يذهب الطقم إلى التنجيد، ويعود مرة أخرى إلى ورشه «المذهباتي» لمتابعة أعمال الترميم والورنيش النهائي.
رغم قيمة المهنة ورقيها إلا أنه لا يوجد إقبال من الشباب لتعلمها أو العمل بها، بحسب «الشربيني» الذي يتمنى أن تعود دمياط إلى مجدها في صناعة الأثاث.