لقد خضع قطاع الثروة الحيوانية خلال العقود القليلة الماضية للتغيرات بوتيرة غير مسبوقة، فقد أدى الطلب المتصاعد فى الاقتصاديات الأكثر نمواً فى العالم على الأغذية التى تنتجها الحيوانات والمشتقة من منتجاتها إلى زيادات كبيرة فى الإنتاج الحيوانى، وذلك إلى جانب تأثيرات الابتكارات التكنولوجية الكبيرة والمهمة والتغيرات البنيوية التى شهدها القطاع ذاته. ولقد تمت تلبية هذا الطلب الضخم والسريع فى غالبيته من خلال الإنتاج الحيوانى التجارى والسلاسل الغذائية المرتبطة به. وفى ذات الوقت، ما زال الملايين من سكان المناطق الريفية يربّون الحيوانات فى نظم إنتاج تقليدية تسند سبل المعيشة وتدعم الأمن الغذائى الأسرى فى تلك المناطق. ويسهم قطاع الماشية بنحو 40% من قيمة المخرجات الزراعية على الصعيد العالمى، كما يسند سبل المعيشة والأمن الغذائى لنحو 1.3 مليار شخص فى العالم. كذلك يُعدّ هذا القطاع أحد أسرع القطاعات نمواً فى الاقتصاد الزراعى. ولذلك فإن نمو القطاع والتحولات التى يشهدها يتيحان فرصاً مهمة للتنمية الزراعية وتقليص الفقر وتحقيق مكاسب ملموسة فى مجال الأمن الغذائى، وذلك على الرغم من أن سرعة وتيرة التغيير هذه تنطوى على خطر تهميش أصحاب الحيازات الصغيرة، كما تجعل من الضرورى معالجة الأخطار النظُمية التى تحدق بالموارد الطبيعية والصحة البشرية من أجل كفالة استدامة هذا القطاع. الاهتمام بزيادة متوسط استهلاك الفرد من البروتين الحيوانى أصبح من أولويات الدولة، ولكن واجهنا فى الفترة الأخيرة الزيادة الجنونية فى ارتفاع الأسعار، مما وضع العراقيل لاستكمال المشوار، لذا وجب علينا كباحثين إيجاد حلول غير تقليدية لحل الأزمة الراهنة.
يشكل الإنتاج الحيوانى فى مصر نحو ثلث القيمة المالية للإنتاج الزراعى، وتعتمد مصر على الإنتاج الحيوانى لتغذية سكانها بالألبان ومنتجاتها وباللحوم الحمراء، إلى جانب توفير الكساء للإنسان من خلال الصناعات القائمة على الجلد لصناعة المنسوجات الصوفية وغيرها، إلا أن وقوع مصر فى المناطق شبه القاحلة يجعلها تعانى من نقص الأعلاف اللازمة لتغذية الحيوانات، إضافة إلى ارتفاع درجات الحرارة، خاصة فى فصل الصيف، مما يؤثر على نمو وإنتاج الحيوان، مما يستدعى ضرورة تنمية الإنتاج الحيوانى بتحسين السلالات وتوفير الغذاء وطرق الرعاية الجيدة والاهتمام بنظام تسويق الإنتاج.
ومن هنا كان اهتمامنا بزيادة رقعة تربية الأغنام، فالأغنام من أفضل الحيوانات التى يمكن الاستفادة منها لما تنتجه من حليب ولحوم وصوف، وأيضاً يمكن تربيتها فقط لجز العشب، بالإضافة إلى أنها يمكن تربيتها فى المناطق الصحراوية وشبه الجافة، حيث تستطيع السير لمسافات طويلة والرعى على النباتات القصيرة والجافة التى لا تستطيع رعيها الأنواع الأخرى من الماشية، وكذلك تتحمل الجوع والعطش ونقص الغذاء لفترات طويلة. وتنتمى سلالات الأغنام المصرية إلى جنوب وشرق البحر الأبيض المتوسط وتتميز بالذيل الغليظ والصوف الخشن. وهناك العديد من الأنواع الشهيرة فى مصرنا الحبيبة، على رأسها: أغنام البرقى التى تتميز باللون الأبيض، وأغنام الرحمانى ولونها بنى، والأوسيمى، والصعيدى، وغيرها. ويصل تعداد الأغنام الحالى إلى 4.350 مليون رأس، منها حوالى 1.550 مليون رأس فى الوجه البحرى، وحوالى 1.950 مليون رأس فى مصر الوسطى والعليا، وحوالى 850 ألف رأس فى المحافظات خارج الوادى (شمال وجنوب سيناء، مرسى مطروح، الوادى الجديد. البحر الأحمر، النوبارية). وتُعتبر محافظات الغربية ومطروح والشرقية والمنيا وسوهاج من أكثر المحافظات تعداداً بالنسبة للأغنام. كما تقع الأغنام فى المرتبة الثالثة من حيث مساهمتها فى توفير اللحم الأحمر فى البلاد بعد الأبقار والجاموس، بالإضافة إلى أن الأغنام باعتبارها مصدراً للحم والصوف واللبن يمكن أن تساهم بقدر كبير فى حل مشكلة نقص البروتين الحيوانى التى تُعتبر أهم مشكلات الأمن الغذائى فى البلاد، دون أن تمثل عبئاً على مواد العلف المركزة التى تعانى البلاد من نقص ملموس فيها.
توفر هذه الحيوانات للإنسان البروتين الحيوانى اللازم لنموه والحفاظ على صحته، وذالك من خلال:
1- إنتاج اللبن: ويُعتبر اللبن مصدراً مهماً من مصادر إمداد الإنسان بالبروتين الحيوانى والدهون والكالسيوم والفيتامينات اللازمة لحياة الإنسان.
2- إنتاج اللحوم: ويُعتبر الجاموس والأبقار أهم مصادر اللحوم الحمراء فى مصر والتى تمد الإنسان أيضاً بالبروتين الحيوانى والدهون والفيتامينات والعناصر المعدنية الضرورية لحياة ونشاط الإنسان.
ولا تقف فوائد الحيوان على ما سبق فقط، بل تستمر فوائده كالآتى:
1- مخلفات الحيوان بعد الذبح: مثل الدم والعظام التى يستفاد منها فى صناعة علائق الدواجن وكذالك القرون والأظلاف التى يستفاد منها فى صناعة الغراء.
2- إنتاج السماد العضوى: الذى يُستخدم فى تحسين خواص التربة الزراعية والمحافظة على خصوبتها، وكذالك إنتاج غاز البيوجاز الذى يُستخدم فى الإضاءة وتشغيل مواقد الغاز.
3- العمليات الحقلية الخفيفة: مثل الحرث وتشغيل السواقى وهى عمليات تقل باستمرار نظراً لانتشار الميكنة الزراعية الحديثة.
ورفع مستوى الإنتاج الحيوانى فى العالم يتطلب:
أ- التوسع الرأسى:
– وذالك بتحسين الصفات الوراثية لحيوانات المزرعة لرفع كفاءتها الإنتاجية، وكذالك ضرورة رفع مستويات الرعاية والتغذية لتحسين الظروف البيئية التى تعيشها هذه الحيوانات.
– التنبيه على زيادة استخدام التلقيح الاصطناعى لزيادة التحسين الوراثى للسلالات المحلية، سواء أبقار، جاموس، أغنام.
ب- التوسع الأفقى:
وذالك بزيادة أعداد الأبقار والجاموس والأغنام والتوسع فى رقعة الأراضى الزراعية الصحراوية والعناية بتحسين الخدمات البيطرية التى تحافظ على حياة البقر وتساعده على إعطاء المزيد من الإنتاج. إن الحيوانات المفعمة بالصحة تسهم فى القضاء على الجوع وفى إيجاد سكان أصحّاء وفى الإنتاج المستدام للأغذية. وتشير التقديرات إلى أن الطلب على البروتين الحيوانى سيرتفع خلال الفترة من الآن وحتى 2050 بنسبة 70%، ولذلك تساهم منظمة الأغذية والزراعة فى تحسين صحة الحيوان بُغية جعل الإنتاج الحيوانى أكثر إنتاجاً واستدامة، وهى شريك عالمى فى مبادرة «صحة واحدة»، التى تربط ما بين الحيوانات وبنى البشر والبيئة. ومن ثم فإن حماية وتحسين صحة الحيوان أداة ضرورية لزيادة استدامة إنتاج الثروة الحيوانية، فالمنتجات الحيوانية لا تمثل مصدراً للأغذية عالية الجودة فحسب، بل وتُعدّ كذلك مصدراً للدخل لكثير من صغار المزارعين ومربى الحيوانات فى البلدان النامية. كما يصاحب النمو الاقتصادى زيادة فى استهلاك المنتجات الحيوانية، ولذلك تُعدّ مساهمة الثروة الحيوانية فى الناتج المحلى الإجمالى لقطاع الزراعة أمراً مهماً فى الكثير من البلدان النامية. لكن التغيرات التى تقع فى قطاع الإنتاج الحيوانى تزيد إمكانية نشوء مسببات أمراض جديدة ونموها وانتقالها من الحيوانات إلى البشر على نطاق عالمى، ولذلك فإن الحيوانات السليمة ذات صلة وثيقة بالسكان السليمين والبيئة السليمة.
ومن ثم هناك خطوط عريضة لوضع أسس التوسع الرأسى والتوسع الأفقى:
1- تربية أجيال جديدة من طلاب كليات الطب البيطرى على وعى كامل وخبرة عملية بكيفية التعامل مع الأزمات واختلاق سبل جديدة لتطوير منظومة الإنتاج الحيوانى.
2- العمل المتواصل على زيادة كفاءة الأطباء البيطريين العلمية والعملية.
3- زيادة مراكز التلقيح الصناعى: التلقيح الاصطناعى إحدى الوسائل التى تستخدمها الدولة حالياً، ممثلة فى وزارة الزراعة، لتحسين سلالات الماشية من الأبقار والجاموس لرفع إنتاجيتها، سواء من اللحوم أو الألبان.
4- إنشاء مراكز لتجميع الألبان:
ويهدف مشروع مراكز تجميع الألبان إلى:
– زيادة فرص العمل لخريجى كليات الطب البيطرى والزراعة وتقليل نسبة البطالة.
– زيادة الرعاية الصحية للماشية والوصول للتعداد الحقيقى للثروة الحيوانية.
– العمل على تقديم حلول عملية لرفع جودة الألبان المنتجة لدى صغار المربين من خلال تطوير عمل نقاط ومراكز تجميع الألبان بمواصفات قياسية للحفاظ على جودة اللبن.
– رفع كفاءة عمليات النقل لمراكز التجميع ومنها للمصانع وكذلك المعاملات التى تتم داخل مراكز التجميع وبالتالى رفع جودة الألبان التى يتم توريدها للمصانع ثم المستهلك النهائى فى حالة مُرضية.
– تصريف إنتاج اللبن بسعر مربح للمربى مما يعود عليه بالربح، مما يشجعهم على زيادة إنتاجهم من اللبن، بزيادة ما يمتلكونه من الماشية بتحسين نسلها لزيادة إدرارها للبن وهذا يؤدى لزيادة الدخل.
– تؤدى هذه المراكز خدمة لمصانع الألبان لتجميع اللبن لها وإعداده بكيفية تصل معها إلى مصانعها فى حالة جيدة، وبهذا تحصل مصانع الألبان على كفايتها من اللبن.
– زيادة إنتاج مصر من الألبان ومشتقاتها، حتى نحقق أقصى استفادة من إنتاج هذا القطاع الذى يصل إلى 7 ملايين طن سنوياً.
5- وضع منظومة قانونية جديدة تناسب الوضع الوبائى الجديد للأمراض.
6- زيادة سبل التعاون بين الكليات والمعاهد البحثية والهيئة العامة للخدمات البيطرية تحت مظلة النقابة العامة لتطوير الأداء المهنى بأسلوب علمى متطور وجديد.
7- العمل على تطبيق الأبحاث العلمية التى تفيد التطبيق الحقلى لتطوير منظومة الإنتاج الحيوانى.
8- تطوير التصنيع المحلى للحصول على تحصينات محلية ذات كفاءة عالية قادرة على حماية الثروة الحيوانية.
9- المراقبة المستمرة للحيوانات المحصَّنة للتأكد من كفاءة وقوة التحصين.
10- التوعية المستمرة للمربين ورفع المستوى العلمى لسهولة تطبيق ما هو جديد.
* المدير الفنى لمعهد بحوث صحة الحيوان بالمنصورة