فى صيف عام 2013، شهدت مصر واحداً من أكثر الأحداث السياسية تأثيراً فى تاريخها الحديث، وهو ثورة 30 يونيو. لم تكن هذه الثورة مجرد احتجاج شعبى، بل كانت حركة جماهيرية واسعة استهدفت تصحيح مسار البلاد واستعادة الهوية الوطنية بعد فترة من الاضطرابات السياسية والاجتماعية.
أسباب الثورة، وأحداثها، ونتائجها كان لها أكبر تأثير على المشهد المصرى.
بعد ثورة 25 يناير 2011، التى أطاحت بنظام الرئيس حسنى مبارك، دخلت مصر مرحلة انتقالية مليئة بالتحديات. فى هذه الفترة، تصاعدت التوترات السياسية والاجتماعية نتيجة لتنامى الفجوة بين تطلعات الشعب وسياسات الحكم. وفى عام 2012، انتُخب محمد مرسى رئيساً للجمهورية، وهو مرشح جماعة الإخوان المسلمين. ومع ذلك، سرعان ما ظهرت الخلافات والصراعات بين مرسى وأطياف الشعب المختلفة.
كانت هناك عدة أسباب رئيسية دفعت الشعب المصرى للخروج إلى الشوارع فى 30 يونيو 2013، ومنها:
1- الإدارة الاقتصادية الفاشلة، والتى شهدت خلال فترة حكم مرسى تدهوراً اقتصادياً ملحوظاً، حيث ارتفعت معدلات البطالة والتضخم، وتفاقمت أزمة الكهرباء والوقود.
2- التفرد بالسلطة، حيث قام «مرسى» وجماعة الإخوان المسلمين، بأكثر من شكل، بالسيطرة الكاملة على مفاصل الدولة وتهميش القوى السياسية الأخرى. وإصدار الإعلان الدستورى فى نوفمبر 2012، الذى منح مرسى سلطات واسعة، كان أحد أبرز الأمثلة على ذلك ضياع الأمن والأمان.
3- التدهور الأمنى، فزادت حدة التوترات الأمنية فى البلاد، وشهدت مصر ارتفاعاً فى معدلات الجريمة والاعتداءات الإرهابية، مما أثار مخاوف المواطنين بشأن سلامتهم.
4 – القضايا الاجتماعية، شعرت فئات واسعة من الشعب بالإحباط من عدم تحقيق الأهداف الاجتماعية للثورة الأولى، كالمساواة والعدالة الاجتماعية.
بدأت أحداث ثورة 30 يونيو 2013، عندما احتشد ملايين المصريين فى ميادين القاهرة والمدن الكبرى مطالبين برحيل مرسى وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة. ورفعت المظاهرات شعار «تمرد»، وهو اسم الحركة التى نظمت الاحتجاجات وجمعت ملايين التوقيعات لسحب الثقة من محمد مرسى.
فى 1 يوليو، أصدرت القوات المسلحة بياناً أمهلت فيه الأطراف السياسية 48 ساعة للتوصل إلى حل للأزمة، وإلا ستتدخل لتنفيذ «خارطة مستقبل». لم يتم التوصل إلى حل، وفى 3 يوليو، أعلن وزير الدفاع حينها، الفريق أول عبدالفتاح السيسى، عزل مرسى وتولى رئيس المحكمة الدستورية العليا عدلى منصور رئاسة البلاد بشكل مؤقت.
أحدثت ثورة 30 يونيو تغييرات جذرية فى المشهد السياسى المصرى، من أبرزها:
تشكيل حكومة انتقالية مؤقتة لإدارة شئون البلاد حتى إجراء انتخابات جديدة. وركزت هذه الحكومة على استعادة الأمن والاستقرار وتنفيذ إصلاحات اقتصادية.
إجراء انتخابات رئاسية جديدة فى مايو 2014، وأسفرت عن انتخاب عبدالفتاح السيسى رئيساً للجمهورية، بعد حصوله على دعم شعبى واسع.
إجراء تعديلات دستورية فى 2014، هدفت إلى تعزيز مؤسسات الدولة وضمان فصل السلطات وتوسيع حقوق المواطنين.
إجراءات أمنية صارمة ركزت عليها الحكومة الجديدة حينذاك لاستعادة الأمن، وقيامها بتنفيذ عمليات واسعة لمكافحة الإرهاب والجريمة.
إصلاحات اقتصادية، بدأتها الحكومة فى حينها لتنفيذ مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية، بما فى ذلك خفض الدعم على الوقود والكهرباء، وتحرير سعر الصرف، وإطلاق مشاريع تنموية كبرى مثل مشروع قناة السويس الجديدة.
رغم الدعم الشعبى الكبير الذى حظيت به ثورة 30 يونيو، روّج أتباع جماعة الإخوان العديد من الشائعات والانتقادات للتشكيك فى الدولة. من أبرز الانتقادات كان جمود العمل السياسى، حيث شهدت البلاد موجة من القبض والمحاكمات لكل من تورط فى أى أعمال إرهابية، وهو ما استغلوه للترويج له باعتباره قمعاً للحريات، وليس على حقيقته باعتباره جريمة إرهابية مجرّمة دولياً. كذلك عانى المواطنون من آثار الإصلاحات الاقتصادية التى أثرت على مستويات المعيشة وزادت من الأعباء المالية.
تظل ثورة 30 يونيو حدثاً مفصلياً فى تاريخ مصر الحديث، إذ كانت تعبيراً عن إرادة شعبية عارمة لتصحيح المسار واستعادة الهوية الوطنية. على الرغم من التحديات والانتقادات التى واجهتها، إلا أنها أرست أسساً جديدة للعمل السياسى والاجتماعى فى مصر، وفتحت الباب أمام مرحلة جديدة من الإصلاحات والتطوير. تبقى الدروس المستفادة من هذه الثورة حاضرة فى الأذهان، حيث تظهر أهمية الاستماع لصوت الشعب وتلبية تطلعاته فى الحرية والعدالة والكرامة.