علاقات و مجتمع
ربما لو كنتَ من قرَّاء رواية «تغريبة القافر»، الفائزة بجائزة البوكر لهذا العام، ستتذكر ولادة «مريم»، التي وضعت طفلها «سالم» بعد أن فارقت الحياة، في مشهد تعجّب له الجميع قائلين: «سبحان مَن يُخرج الحي من الميت»، وسط تهليل قد تظنه في الروايات فقط، لكنه حدث على أرض الواقع بتفاصيل مشابهة لأم وضعت صغيرها بعد استشهادها في القصف الذي يشنه الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر الجاري.
حياة وموت في لحظة واحدة
وصلت سيدة إلى مستشفى أبو يوسف النجار برفح، في حالة صحية خطيرة، وهي حامل في شهرها الثامن، لم تتحمل إصابتها إبقاءها على قيد الحياة، ليكتشف الأطباء بعد رحيلها أن في بطنها جنيناً ينتظر إتمام شهره التاسع للخروج للحياة التي يعاني فيها أهله من احتلال أراضيهم على يد الاحتلال الإسرائيلي، لكنه خرج مُبكراً في ظروف قاسية، بلا أم ولا أهل، بعد قصف منزل عائلته بالكامل في حي تل السلطان غرب محافظة رفح.
حاول الطاقم الطبي، بإمكانياته المحدودة، إنقاذ حياة الرضيع الذي اختلطت أنفاسه الأولى برائحة البارود والدم، في مشهد وثقه الصحفي الفلسطيني محمود بسام بعدسته من داخل إحدى غرف الرعاية بالمستشفى: «الطفل أمه ماتت أول ما وصلت المستشفى واكتشفوا إنها حامل، وبسرعة الدكاترة الموجودين خرّجوا الطفل منها وقدموا له الخدمة اللازمة وهو الآن في المستشفى بياخد أوكسجين».
يقول «محمود»، لـ«الوطن»، إن السيدة المتوفاة تنتمي لعائلة القططي، وتم استهداف منزلهم من قبل قوات الاحتلال، وتوفي عدد من أفرادها وأصيب الباقون، مشيراً إلى أن الأطباء حاولوا إنقاذ حياة أم المولود، ولكن فشلت محاولات إنعاشها واستشهدت: «خرج من جسدها الميت روح تحلم بحياة آمنة ووطن محرَّر».
مدارس اللجوء بقطاع غزة
داخل إحدى مدارس اللجوء بقطاع غزة، وضعت سيدة أخرى مولودها وسط القصف والقنابل والصواريخ، بعد أن جاءها المخاض، وأسرع الجميع لإنقاذها بالتواصل مع الإسعاف بعد أذان الفجر حتى تذهب إلى المستشفى للولادة.
تحكى إيناس حامد، الشاهدة على والدة السيدة، أنها كانت تتألم بعد أن شعرت بآلام الولادة ولا يوجد طبيب قريب ولا مستشفى مؤهل لاستقبالها، ولكن الأهالي حاولوا حتى نجحوا في نقلها لمستشفى قريب ووضعت طفلها مع أذان المغرب: «تخيلي ولادة ونفاس في مدرسة لجوء»، أوضاع قاسية لا يتحملها بشر يعيشها الشعب الفلسطيني الصامد في هذه الفترة التي يستهدف فيها العدو المستشفيات والمساجد والكنائس وأماكن الآمنين.