علاقات و مجتمع
قبل 54 عاما كانت منى الدغيدي، تعيش آمنة مطمئنة في بيت عائلتها بمدينة بورسعيد، انتهت حينها من امتحانات الصف الثاني الثانوي بمدرسة بورسعيد الثانوية بنات، وفوجئت بطلب عائلتها بتجهيز حقيبتها وشقيقتها لمغادرة المدينة في عام 1969 وعمرها 15 عاما، خوفا على حياتهم بعد حرب الاستنزاف، لتعيش لحظات حزن لترك بلدها وذكرياتها وطفولتها وأصدقائها متجهة إلى المعادي في القاهرة وبعد كل هذه السنوات تعود مشاركة في فيلم بعنوان «خمسون عاما.. عبور.. إنقاذ.. إنجاز»، الذي عرض خلال فعاليات الندوة التثقيفية للقوات المسلحة، التي حضرها الرئيس عبدالفتاح السيسي، احتفالًا باليوبيل الذهبي لانتصارات أكتوبر المجيدة، لتعبر عن فخرها لـ«الوطن» بمشاركتها في الفيلم.
«كان عندي 15 سنة لما طلبوا مننا نسيب بيوتنا ونمشي بعد نكسة 69، وقتها حسيت بانكسار، والدي كان مدير مستشفى حميات بورسعيد، وعيشنا طفولتنا كلها هناك، وليا أصحابي وأهلي، عيطت وزعلت إني همشي وأسيب كل حاجة، هبدأ حياة جديدة في مكان جديد ومع ناس تانية خالص، وكنت لسة مخلصة تانية ثانوي واختي في الإعدادي، وبابا قالنا هنروح المعادي وهدخلكم مدارس هناك»، بهذه العبارات استعادت والدة آسر ياسين، ذكرياتها، مؤكدة أنها لم تنس مدرستها ولا أصدقائها.
حي المعادي كان شاهدا على تفوق «الدغيدي»، رغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي عاشتها أسرتها بعد التهجير، إذ اضطرت والدتها لبيع دهبها للعيش والإنفاق على الأسرة، حيث استطاعت الالتحاق في كلية الهندسة وتزوجت من المهندس أشرف ياسين وهو ابنًا للواء فؤاد ياسين الذي كان ضابطًا في القوات المسلحة وقت حرب أكتوبر، لتنجب شابين هما الفنان آسر ياسين وشقيقه إسلام، لتزرع داخلهما حب الوطن وتحكي لهما ذكرياتها في بورسعيد: «كنت شاهدة على النكسة ودا أثر علينا ولعى دخلنا بشكل كبير حتى والدتي باعت دهبها ولما اتجوزت كان حمايا ظابط جيش، وعلمني كتير وكنا كلنا شاهدين على النكسة ثم الحرب والانتصار بعزة وكرامة».
سنوات صعبة عاشتها أسرة آسر ياسين، بعد تهجيرها جعلتها تتحمل المسؤولية فضلا عن ثقة أسرتها في انتصار مصر على العدو الإسرائيلي: «بعد النكسة كنا متوقعين انتصار على إسرائيل، ولما سمعنا وشوفنا النصر كنا فخورين إننا حققنا نصرًا كبيرًا، وبقت عيلتي شاهدة على النكسة والنصر والعزة والكرامة، مش بس كأحد المتفرجين والمناضلين بل مشاركين ببطل كبير وهو حمايا».
فخر مقترن بدموع، هكذا شعرت «الدغيدي»، حينما أخبرها ابنها الفنان آسر ياسين، بمشاركتها ووالده في فيلم أكتوبر الذي عرض قبل قليل خلال فعاليات الندوة التثقيفية للقوات المسلحة، لتكون عائلتها شاهدة على أيام الانكسار والنصر وحاضرة في هذه المناسبة: «فخورة إن الدولة بتكرمنا النهاردة بمشاركتنا في الفيلم، وبستعيد ذكريات أكتر من 50 سنة».