علاقات و مجتمع
يرغب الآباء خلال تواجدهم بالمنازل في استقطاع لحظات من الهدوء، غير أن البيوت لا تخلو من صياح الأطفال وتعالي ضحكاتهم ونحيب بكائهم، وخلال تقديم الآباء لأطفالهم للقبول بالمدارس لأول مرة، يكون هناك يقين لديهم بأن أطفالهم سيقدمون جزءً من هذا النشاط أمام لجنة الاختبار، ليتفاجأ البعض برفض أطفالهم الحديث أو الإجابة عن التساؤلات الموجهة إليهم لينتابهم الإحباط نتيجة عدم اجتياز أطفالهم اختبارات القبول.
بداية فكرة الانترفيو
جلست مريم الصيفي، صيدلي إكلينيكي بمستشفيات جامعة أسيوط، خلال التقديم لابنها الصغير بامتحانات القبول بالمدارس منذ 5 أعوام ولاحظت عدم قبول عدد من الأطفال لرفضهم الحديث، وهنا تبادرت الفكرة إلى ذهنها، بأنه لابد من وجود طريقة أكثر حداثة لاختبار قدرات الأطفال، فلا يمكن تقييم طفل في عمر الـ3 سنوات خلال دقائق، قد لا يكون في أفضل حالاته النفسية أو الجسمانية، كما أن الاختبارات كلها تعتمد على قياس الجانب المعرفي دون قياس المهارات الأخرى كالمهارات الحركية وغيرها، لتبدأ في دراسة طرق مبتكرة لاختبارات قبول الأطفال بالمدارس ونظاما جديدا للانترفيو.
تنمية مهارات الأطفال مجانًا
«بشوف إن رسالتي في الحياة أني أعلم واتعلم»، بهذه الكلمات بدأت مريم الصيفي حديثها لـ«الوطن»، مؤكدة أن اختبارات القبول ولد لديها الرغبة لدخول مجال تنمية مهارات الأطفال، لتبدأ كأم بتنمية مهارات أطفالها، ثم وجدت أنه يمكن أن يكون لها دور أكبر خاصة خلال فترة جائحة كورونا وجلوس الأطفال بالمنازل لتقوم بإنشاء جروب لتعليم الأطفال وتنمية مهاراتهم مجانًا، وبعد أن زاد شغفها بالأمر خاصة مع شعورها بأن عملها الذي مازالت تمارسه دخل إطار الروتين، قررت أن تقوم بدراسة تنمية مهارات الأطفال.
الدراسة العلمية لدعم المشروع
بدأت «مريم» بالبحث والدراسة فحصلت على دبلومة بالعلاج بالفن ودبلوم المقاييس والاختبارات النفسية ودبلومة التربية وحصلت على اعتماد البورد الدولي لتحليل السلوك التطبيقي ΒACB، واعتماد تدريب كورت وسكامبر لمهارات التفكير والابداع والـBRAIN GYM لتنمية الذكاء وتنشيط المخ اعتماد معهد INSEP PRO الفرنسي لعلوم الرياضة فالتدريب الرياضي واللياقة البدنية والتدريب الشخصي، لتحقق حلمها بتصميم اختبارات قبول للأطفال بالمدارس بنظام اللعب والحركة وقياس مختلف المهارات.
تطبيق النظام الجديد
بلغت الأنشطة التي تقوم بها «مريم» مسامع أحد مديري المدارس الخاصة بأسيوط فقرر الاستعانة بها وتطبيق الأنشطة الحديثة لتطوير الانترفيو الخاص بقبول الأطفال المطور لتقييم الطفل من خلال جوانب الذكاء المختلفة باستخدام العاب تفاعلية صنعت خصيصًا، وإنشاء أول وتم تأسيس أول قسم لتنمية المهارات.
معايير ومقاييس قبول الأطفال بالمدارس
وقال مؤنس منير مدير إحدى المدارس الخاصة بأسيوط والذي قام بتطبيق النظام الجديد، إنه وخلال عمله الطويل بالمدارس شغله كثيرًا انترفيو قبول الأطفال وتبادر لذهنه العديد من التساؤلات التي ليس لها إجابات علمية حول المعايير والمقاييس التي يتم بناء عليها قبول طفل ورفض آخر وما تقيسه اختبارات القبول من مهارات.
تنافس بين المدارس بصعوبة الاختبارات
وتابع «مؤنس» في حديثه لـ«الوطن»، أنه لاحظ أن المدارس أصبحت تتنافس في تضيق دائرة قبول الأطفال من خلال زيادة صعوبة الأسئلة المعرفية، بأن يكون الطفل الذي أتم للتو 3 سنوات ملما بالأرقام والحروف والأشكال والحيوانات والطيور العادية والنادرة والألوان والخضروات وغيرها، وهو ما أصابه بالدهشة عن دور المدارس بعد أن يتم قبول لديه بالفعل كل هذه المعارف وهو دور المدرسة بالأساس.
دور المدرسة التعليم وليس التقييم فقط
«أنا مش عايز يجيلي طفل مذاكر كل المعارف وأنا اقوله برافو، مفيش طفل ممكن تقييمه في 10 دقايق دي كلها مؤشرات» بحسب «مؤنس»، متابعًا أن هذا الأمر وراء طلبه لـ«مريم» لتطوير الانترفيو لقياس التذكر والمهارات إلى جانب المهارة المعرفية دون مبالغة، وهو ما أتمته بنجاح من خلال العاب حركية وكتابته على السبورة وهو ما جعل الانترفيو يتحول إلى تسلية للطفل تجعله يشعر بالراحة ويتحدث بتلقائية دون أي مشاعر خوف أو قلق.
وأكد «مؤنس» على أن الطبيعي يُقبل جميع الأطفال باختبارات المدارس والاستثناء هو عدم القبول بحالات خاصة جدًا من خلال معايير تم وضعها تقيس عدم قدرة الطفل على التعلم، مشيرًا إلى أن القبول لا يرتبط باستجابة الطفل لكافة الألعاب أو المهارات خاصة مع وجود فروق فردية، إذ أن عدد من الأطفال التي لم تستجب بصورة كافية بالاختبارات أظهروا تميزا دراسيا يفوق أقرانهم بعد ذلك.
حلم صنع واقع جديد للأطفال
وطرح «مؤنس» تساؤل حول مصير بقية الأطفال وحقهم بالتعلم عند اقتصار القبول على المتميزين فقط؟، لافتًا إلى أن تنمية مهارات الأطفال وزيادة استجابتهم للتعلم وتقويم الشخصية هو دور المدرسة بالأساس بالاستعانة بالمتخصصين إلى جانب المتابعة من الآباء، وتقوم به المدرسة من خلال عملية الدمج، معربًا عن شكره وامتنانه لـ«مريم» التي حولت حلمها ورؤيتها لأرض الواقع وصنعت واقعًا جديدًا للأطفال.