علاقات و مجتمع
بكل ما تحمله الطفولة من براءة وتلقائية وبساطة، وما ترمي إليه الأنوثة من خجل وصوت منخفض وهدوء وأدب جم في الحديث، ظهرت طفلة في مقطع فيديو وهي تشكو ما وصل إليه حالها وشقيقتها الصغرى التي تجلس إلى جانبها والدموع تنسال على خديها الصغيران في استسلام تام، بعدما فقدا والدهما، وأنهما لا تنامان من شدة الجوع والبرد، ومع توالي القصف الإسرائيلي على غزة، راح كثيرون يتسائلون عن جنسية هاتين الطفلتين.
ما جنسية طفلة «ما عندنا أكل وبنام بردانين»؟
وظهرت الطفلة التي ربما تكون في مطلع العقد الثاني من عمرها، وإلى جوارها شقيقتها الصغرى، في مقطع فيديو نشره فريق الاستجابة الطارئة عبر صفحتهم على «فيسبوك»، وراحت تتحدث مع شخص أمامها تخاطبه «عمو»، تشكي له ما وصل إليه حالها وشقيقتها، وأنهما منذ فقدان والدهما لا تجدان من يوفر لهما الطعام أو الحطب حتى تناما دافئتين، وبعد البحث عن حقيقة الفيديو، تبين أنه يعود للعام الماضي، وأن هاتين الشقيقتين سوريتين الجنسية.
«تصدق يا عمو كل يوم بالليل عم ننام بردانين وجوعانين».. كلمات قليلة قالتها الطفلة لكنها كانت مُرَّة وثقيلة على كل قلب لا زال ينبض بالإنسانية والرحمة، وكأنها تستنكر حالهما وتريد لو تتسائل عما اقترفته -مع غيرها من الأطفال- من ذنب حتى يلقوا كل هذا العنف وهذه القسوة.
الطفلة تستعيد ذكرياتها مع والدها
لم تتماد الطفلة في شكوى حالها المؤسف الذي تعيشه في سنوات من المفترض أن تكون الأجمل من عمرها، وراحت تعود بذاكرتها للوراء، حينما كانت تعيش هانئة آمنة مع أسرتها ووالدها الذي يواظب على توفير كل سُبل المعيشة والراحة لها ولشقيقتها، قائلة: «يا عمو أنا بابا شهيد، قبل ما يموت كان عندنا علطول حطب، كان يدفينا علطول، كنا دفيانين على زمن بابا، بس دلوقتي كل شيء انخرب.. صار بابا بمحل واحنا بمحل».
ثم تجرأت الطفلة وراحت تُعبِر عن استنكارها لهذا الوضع القاسي الذي تعيشه وشقيقتها، مُتسائلة في مرارة وهي لا تزال محتفظة بأدبها وصوتها الملائكي: «طب يا عمو احنا شو ذنبنا نبرد؟ّ هل كل الأولاد اللي عندهم أب هيك عايشين ولا مثلنا؟!» ثم غرست لسانها في المرارة أكثر وراحت تعيد سؤالها: «طب يا عمو هل ابنك نام مرة بس مرة واحدة بدون أكل أو وهو بردان؟.. طبعًا لا.. شو ذنبنا نحن؟!!.. كل الأولاد اللي عندهم أباء علطول عم بيناموا دفيانين.. أتمنى بابا باخدنا معاه».
تفاعل رواد الـ«سوشيال ميديا» مع الفيديو
وتفاعل عدد كبير من نشطاء منصات التواصل الاجتماعي مع مقطع الفيديو، وراحوا يعبرون عن تعاطفهم مع الطفلة، وكم حزنت قلوبهم بكلماتها، فكتب ضياء عبدالمنعم: «دموع صادقه بلا شك الله يارب السموات والأرض وما بينهما هون عليهم من شدة البرد وانصر المظلومين»، وكتب إبراهيم المياحي: «لاحول ولاقوة الابالله العلي العظيم، فعلا مأساة يشكو منها الصغير قبل الكبير، والله المستعان على ماتصفون».