01:50 م
الأحد 03 مارس 2024
موسكو/ القاهرة – (د ب ا):
تواصل العقوبات الغربية المفروضة على روسيا تداعياتها السلبية ليس فقط على الاقتصاد الروسي المستهدف منها ولكنها تطال أيضًا وبشكل مؤلم قطاعات الاقتصاد الغربية المختلفة بما في ذلك قطاع السيارات.
واضطرت العشرات من شركات صناعة السيارات المختلفة في الغرب إلى إغلاق مصانعها وتوكيلاتها في روسيا لتفقد بذلك سوقا كانت تدر عليها دخلا كبيرًا.
وكل من له دراية بالسوق الروسية سوف يدرك جيداً أنها اعتادت على مدار العقود الأخيرة على البرندات الكبرى للسيارات سواء الأوروبية المختلفة، أو الأمريكية، أواليابانية، أوالكورية، لذلك فقد أثر انسحاب هذه الشركات من روسيا على نمط الحياه الذي اعتاده الشعب الروسي على مدار العقود التي أعقبت تفكك الاتحاد السوفيتي السابق.
وبدأ الروس في الشكوى على مدار مرحلة ما بعد فرض العقوبات الغربية على روسيا، ليس فقط من نقص المعروض من السيارات الغربية بل والنقص الحاد في قطع الغيارات وتراجع مستوى الصيانة، وهو الأمر الذي فتح بطبيعة الحال المجال أمام روسيا للتفكير في ضخ استثمارات كبيرة لتطوير قطاع صناعة السيارات الوطنية وبصفة خاصة بعد الخبرة التي اكتسبتها طوال سنوات تجميع نسب كبيرة من السيارات الغربية داخل روسيا إلى جانب نقل جوانب من التكنولوجيات الغربية إلى روسيا في هذا المجال.
ورغم أن روسيا قد حققت بالفعل إنجازات مبهرة تبعث على التفاؤل الكبير في فتح صفحة جديدة في تاريخ صناعة السيارات بها، فإنه بات واضحًا أن الاعتماد على الإنتاج الوطني لن يسد العجز الواقع في السوق المحلية لذلك أبدت روسيا تجاوبا مع العديد من الدول التي أرادت أن تستفيد من الفجوة التي نشأت في السوق الروسية نتيجة انسحاب الشركات الغربية منها.
وبطبيعة الحال كان المنتج الصيني هو السبّاق في هذا المضمار نظرا لما تتمتع به الصين من قدرات كبيرة في مجال تنوع طرازات السيارات التي تنتجها، إلى جانب الإنتاج الكمي الذي يمكنه الوفاء باحتياجات السوق الروسية.
ويكفي هنا أن نشير إلى أن الصين وردّت إلى السوق الروسية في عام 2023 أكثر من 550 ألف سيارة؛ وهو ما يمثل نحو نصف احتياجات السوق الروسية.
وقبل فرض العقوبات على روسيا كانت نسبة السيارات الأجنبية في السوق الروسية تتراوح ما بين 70% إلى 80% باختلاف السنوات مع الوضع في الاعتبار السيارات المستوردة بالكامل، أو التي يجري تجميعها وإنتاج نسبة من مكوناتها في الداخل.
لكن بعد فرض العقوبات قفزت حصة السيارات الروسية الصنع في السوق الروسية من نحو 25% قبل العقوبات لتصل 41%، والأكثر من ذلك هو أن نسبة السيارات الصينية زادت من 10% قبل العقوبات لتصل إلى 38% بعد العقوبات.
ومع ذلك ظلت السوق الروسية متعطشة للمزيد ليس فقط من السيارات، ولكن أيضاً للمزيد من السيارات ذات المستوى العالي في التكنولوجيا والمتانة.
وقد أغرى اتساع السوق الروسية شركات الدول الأخرى التي تنتج ما يعرف بالسيارات الاقتصادية للعمل على دخول السوق الروسية وعلى رأس هذه الشركات التي تحاول منافسة المنتج الصيني والروسي شركات الهند وإيران وكذلك دول مثل أوغندا، وإن كان الخبراء يعتقدون أن دخول الهند في هذا السباق سوف يعطيه زخما إضافيا وذلك على اعتبار أن الهند لا تنتج فقط سيارات هندية كاملة التكنولوجيا الهندية ولكنها تنتج أيضا سيارات بالتعاون مع كبريات الشركات البريطانية ( لاند روفر وديملر وجاجوار ولانتشيستر وغيرها من الأنواع ) وهو ما يعني أن الهند يمكنها أن تقدم الحل للمشكلة التي صادفها الروس من السيارات الروسية والصينية من حيث تواضع المستوى التكنولوجي وعدم تناسبه مع طبيعة التضاريس والمناخ الروسي القاسيين.
ورغم أن الهند يمكنها الدخول في هذا السباق بقوة ، فإنه لا توجد مؤشرات كافية حتى الآن توحي بتوفر الرغبة أو الحماس الكافيين لدى الهنود للدخول بقوة في السوق الروسية، ذلك على الرغم من أن إيران التي ربما لا تصل إلى مستوى الهند في تكنولوجيا صناعة السيارات قد دخلت بالفعل السوق الروسية بعدد من طرازات سياراتها الاقتصادية، وهو ما دفع دولا أخرى للاقتداء بإيران في هذا المجال مثل أوغندا التي وفقا لتصريحات سفيرها لدى روسيا موزيس كيزيجا تعتبر رائدة في القارة الأفريقية في مجال تصنيع السيارات الكهربائية التى يجري تصنيعها في شركة ” كيرا موتورز كوربريشن – Kiira Motors Corporation “.
لذلك عمدت اوغندا إلى إبرام تعاقد للتعاون مع شركة كاماز الروسية لتصنيع سيارات النقل بهدف التصدير لأفريقيا وحتى تصبح كاماز هي بوابة الشركات الأوغندية لدخول السوق الروسية التي يعتقد السفير الأوغندي أن إنتاج بلاده ربما يظهر في السوق الروسية قبل نهاية عام 2024.
ورغم ظهور بوادر المنافسة من جانب إيران والهند ورغبة ناشئة من جانب عدد من الدول الأخرى بما في ذلك الأفريقية ، سوف يتضح بمراجعة قوائم السيارات المرخص بالتعامل بها في السوق الروسية أنها تضم كل من طرازات دونجفينج، وإكسيد، وشانجان، وشيري، وشيري أومودا، وجيه إيه سي، وفوتون، وجيلي، وفاو ، وهافال، وجاك.
وجميعها بطبيعة الحال صينية مع العلم بأن السوق الروسية تدرك جيدا أن التكنولوجيا الصينية أعلى من تكنولوجيات الدول الأخرى التي ترغب في ولوج السوق الروسية. ورغم ذلك، فإن الرضاء غير كامل لدى المواطن الروسي بالنسبة للتكنولوجيا الصينية عند مقارنتها بالتكنولوجيا الغربية.
حالة عدم الرضاء هذه استشعرتها الشركات الصينية التي بدأت على الفور في التعامل معها من خلال توفير المزيد من مراكز الخدمة في روسيا، والبدء في افتتاح مصانع لتجميع وتصنيع السيارات الصينية داخل روسيا.
والأهم من ذلك هو أن الشركات الصينية بدأت في تطوير منتجاتها وربما بالتعاون مع بعض الشركات الغربية مثل الشركات الألمانية لتطوير إنتاجها بالشكل الذي يحفظ لها مستوى من التنافس للاحتفاظ بحصة في السوق الروسية سواء في ظل العقوبات الحالية، أو تحسبا لمرحلة ما بعد العقوبات واشتداد التنافس مرة أخرى مع الشركات الغربية.
وتدرك الصين جيدا طبيعة السوق الروسية، كما تدرك جيدا أنه على الرغم من انسحاب كبريات الشركات الغربية من روسيا ، فإنه عن طريق الاستيراد الموازي يجري توفير السيارات الغربية واليابانية والكورية للسوق الروسية وإن كان بأسعار عالية ، ومع ذلك فهناك إقبال كبير على هذه السيارات وعلى الأخص كيا ،وهيونداي، وفولكس، وحتى المرسيدس وبي إم دبلو، وهو ما يعني أن موضوع السعر ليس أساسيا في السوق الروسية بقدر المستوى التكنولوجي.
وعليه يبقى التساؤل عما إذا كان لدى الصين ومن قبلها روسيا الوعي بالقدر الكافي للتعجيل بمعدلات تطوير إنتاجها وعلى الأخص من ناحية المستوى التكنولوجي للاستفادة من الإمكانيات التي توفرها العقوبات الغربية على روسيا، قبل أن يأتي الوقت وتنتهي هذه العقوبات وتواجه صناعة السيارات في روسيا والصين الواقع الحقيقي وتكتفي بفتات الحصص التي تتركها لها السيارات الغربية في مختلف أسواق العالم.