علاقات و مجتمع
على مدار 113 عامًا و3 أشهر و22 يومًا، كانت أنفاسها تحاوط الأهل والأحباب بالحب، تمنح الدفء والحنان للأبناء والأحفاد وأبنائهم، قبل أن تلفظ الجدة ميرة فرج أبو حُزين، آخر نفس قبل ساعات، بعد سنوات طويلة من العطاء والتضحيات، حيث ولدت قبل ثورة 1919 بـ9 أعوام، وحضرت تغييرات وتحولات عديدة في أنظمة الحكم في مصر والوطن العربي، وعاصرت فترات زمنية مختلفة، ليخطط الزمن على جبينها خبرات طويلة، وتظهر تجاعيد يديها ما مرت به طوال حياتها.
تخرج الكلمات من فيها متزنة، بهدوء وثبات، تتحدث مع أحفادها وأفراد أسرتها، وأهالي قريتها قارون التابعة لمركز يوسف الصديق بالفيوم، إذ يستشيرونها في أمور حياتهم، ويعشقون الحديث معها، تجهز جلستها أمام باب المنزل وقت العصر، وتعد أكواب الشاي لجيرانها، وتبدأ بالتحدث معهم، حديث يطول، ولا يقطعه سوى صوت آذان المغرب، ليعود كل منهم إلى منزله، وقد فقد كلا منهم طاقته من كثرة الحديث.
لم تذهب للطبيب يومًا
مسعود سويري، ابن الجدة المعمرة، يحكي لـ«الوطن»، أن والدته لم تذهب إلى الطبيب طيلة حياتها، سوى في اليوم الأخير لها في الدنيا، وإذا اشتكت من أمر أو تعب ما، كانت تتناول اللبن الرائب، أو كوب من الشاي بلبن، أو الأعشاب المختلفة، كالينسون والحِلبة والنعناع وغيرها: «متربية على الزبدة البلدي ولحمة زمان، وعمرها ما اشتكت من أي تعب كبير طول عمرها، وماراحتش للدكتور، لما كنت بتتعب كنت بقولها نروح نكشف، كانت بترفض، بتقول هات لي بس شاي بلبن أو لبن رائب».
لم تتناول أي أدوية
لم تتناول الجدة «ميرة» أي عقاقير أو أدوية طيلة حياتها، سوى البرشام الأخضر المخصص للسيولة، وكانت تستيقظ عند بزوغ الفجر مباشرة: «كانت بتاكل أي حاجة، ماكنتش ماشية على نظام غذائي معين، وكانت بتنام عدد ساعات قليلة، نومها كان خفيف جدًا، يعني لو حد عدى من جنبها، وهي نايمه تصحى».
لم يتوقف أفراد أسرتها عن زيارتها باستمرار، ولم تخلق أي مشكلات مع أحد طيلة حياتها، ولم تنس أقاربها يومًا، فكانت تصل الرحم، على حد قول ابنها: «عمرها ما دعت على حد، بتصحى من النوم تتوضى وتصلي الفجر وتبدأ يومها».
آخر لحظات الجدة قبل وفاتها
قبل وفاتها، شعرت الجدة بآلام في معدتها، فطلب منها ابنها «مسعود» الذهاب إلى الطبيب فرفضت، لكنه أصر على الذهاب للاطمئنان على صحتها، وكتب لها الطبيب على أدوية فرفضت شرائها، وعند عودتها إلى المنزل، أكلت «فراخ بلدي»، ثم رفعت يديها إلى السماء، ودعت الله لي ولشقيقي وأحفادها، وكل من تعرفه، ثم نطقت الشهادتين، وصعدت روحها إلى السماء.
وشيّع أهالي القرية، جنازة الجدة ميرة، ليواري جثمانها الثرى بمقابر أسرتها بالقرية، فيما يستقبل أبنائها وأحفادها واجب العزاء بمنزلها، وامتلأ المنزل بمئات من الأهالي، والمحبين لها، وسار في جنازتها عديد من الناس من قريتها والقرى المجاورة.
تزوجت وأنجبت ولدين
تزوجت الجدة ميرة مرة واحدة، وأنجبت ولدين، هما «مسعد»، 70 سنة، و«سعد»، 75 سنة، ولديها حوالي 12 حفيدًا، وكانت جدة للقرية كلها، وكانوا ينادون عليها بالجدة، وعرف عنها الطيبة والخُلق الحسن، وكانت تساعد الكبير والصغير وتقدم النصائح للجميع، وكانت تدعى لأهالي القرية، وكانت تحرص على حضور كل المناسبات في القرية والقرى المجاورة، سواء الأفراح أو الأحزان.