صحة
يُعد استخدام المضادات الحيوية واحدا من أقدم وأهم الإنجازات الطبية في مكافحة الأمراض البكتيرية، خاصةً في حالات العدوى الخطيرة، ومع ذلك يُشير العديد من العلماء إلى أنّ الإفراط في استخدام هذه الأدوية قد يسبب آثارًا غير مرئية على المدى الطويل، خاصةً عند الأطفال.
ويعد التأثير على الميكروبيوم المعوي للأطفال، وهو مجموعة البكتيريا المفيدة التي تساعد في عملية الهضم وتعزيز المناعة، أحد أكثر الآثار المثيرة للقلق، وتشير الدراسات إلى أن تعريض الأطفال للمضادات الحيوية في السنوات الأولى من حياتهم يمكن أن يزيد من خطر الإصابة بالسمنة في وقت لاحق من حياتهم.
أثر المضادات الحيوية على الميكروبيوم المعوي
تعتبر الأمعاء مركزًا حيويًا في الجسم، حيث تحتوي على تريليونات من البكتيريا المفيدة التي تساهم في عملية الهضم، امتصاص العناصر الغذائية، وتعزيز جهاز المناعة، ومع ذلك، فإنّ المضادات الحيوية لا تقتصر على القضاء على البكتيريا الضارة فقط؛ بل تؤثر أيضًا على البكتيريا النافعة في الأمعاء، وهذه التأثيرات قد تُؤدي إلى تغييرات غير مرغوب فيها في توازن الميكروبيوم، ما يعطل عمليات الأيض الطبيعية ويزيد من فرص حدوث مشكلات صحية مثل السمنة.
على سبيل المثال، بعض الدراسات أظهرت أن المضادات الحيوية يمكن أن تقلل من تنوع البكتيريا في الأمعاء، ما يساهم في زيادة الوزن وتراكم الدهون في الجسم، فهناك دراسة نشرت في Journal of Clinical Investigation، لوحظ أن الأطفال الذين تم إعطاؤهم المضادات الحيوية بشكل متكرر كانوا أكثر عرضة للإصابة بالسمنة في مراحل متقدمة من حياتهم مقارنة بالأطفال الذين لم يتعرضوا لهذه الأدوية.

التأثيرات على نمو الأطفال وزيادة الوزن
بحسب دراسة أجرتها جامعة «إلينوي» الأمريكية، تبين أن الأطفال الذين يتم إعطاؤهم المضادات الحيوية في سنواتهم الأولى يعانون من زيادة ملحوظة في الوزن عندما يصلون إلى سن المراهقة، وأظهرت الدراسة أن الأطفال الذين تناولوا المضادات الحيوية بشكل منتظم كانوا أكثر عرضة للإصابة بالسمنة بنسبة 25% مقارنةً بأقرانهم الذين لم يتناولوا هذه الأدوية في سنواتهم الأولى.
ويتابع العلماء بأنّ تأثير المضادات الحيوية على الوزن قد يبدأ منذ الأشهر الأولى من العمر، حيث يمكن أن يؤدي استخدام هذه الأدوية إلى تغييرات في الأنسجة الدهنية، وهو ما يُعتبر عاملاً مهماً في زيادة الوزن لاحقا.
وفي هذا السياق يقول الدكتور علي عادل، اخصائي طب الأطفال و حديثي الولادة، كلية الطب جامعة الاسكندرية في تصريح خاص لـ«الوطن»، إنّ المضادات الحيوية تؤثر على توازن البكتيريا المعوية في الجسم، وهذا التغيير يمكن أن يسبب زيادة في الشهية وتراكم الدهون.
العلاقة بين الجرعات المتكررة وازدياد السمنة
تشير الدراسات إلى أنّ تكرار استخدام المضادات الحيوية في سنوات الطفولة يزيد من فرص تعرض الأطفال للسمنة، فكلما تم إعطاء الطفل جرعات إضافية من هذه الأدوية، كلما زادت احتمالية حدوث تغييرات دائمة في توازن الأمعاء.
بحسب تقرير نشر في JAMA Pediatrics، وجد الباحثون أن الأطفال الذين تعرضوا لثلاث جرعات من المضادات الحيوية أو أكثر في أول عامين من حياتهم كانوا أكثر عرضة بنسبة 30% للإصابة بالسمنة في سن 7 سنوات مقارنةً بالأطفال الذين لم يتعرضوا لهذه الأدوية، ويعزو الخبراء ذلك إلى أن استخدام المضادات الحيوية بشكل مفرط يسبب تغييرات في البكتيريا المعوية التي تؤثر على الأيض وتوزيع الدهون في الجسم.
الاستخدام الرشيد للمضادات الحيوية
وأكد الدكتور علي عادل، أن المضادات الحيوية يجب أن تُستخدم فقط عند الضرورة القصوى، ووصفها للأطفال بدون حاجة قد يؤدي إلى آثار صحية غير محمودة على المدى الطويل، ومنها السمنة، ويضيف نصيحتي للآباء هي تجنب إعطاء الأطفال المضادات الحيوية لعلاج التهابات الجهاز التنفسي العلوي التي تكون في الغالب غير بكتيرية.
ففي معظم الأحيان، يصف الأطباء المضادات الحيوية لعلاج التهابات مثل التهاب الأذن والتهاب الحلق والتهابات الجهاز التنفسي العلوي، ولكن، كما يشير الدكتور علي عادل، فإن بعض هذه الحالات يمكن أن تتحسن دون الحاجة إلى أدوية مضادة للبكتيريا، ما يخفف من المخاطر المحتملة المرتبطة باستخدام المضادات الحيوية في مرحلة الطفولة.
أهمية الميكروبيوم المعوي في صحة الأطفال
أشار «عادل» إلى أنّ الميكروبيوم المعوي يُساعد في صحة الإنسان بوجه عام، ففي الطفولة، يساعد الميكروبيوم على تطوير جهاز المناعة ودعمه، بالإضافة إلى تنظيم عملية الهضم وامتصاص المواد الغذائية، إذا حدث خلل في هذا النظام بسبب الإفراط في استخدام المضادات الحيوية، فإن ذلك يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات صحية متعددة، مثل السمنة، مشكلات في الأيض، وزيادة خطر الإصابة بالأمراض المزمنة في المستقبل.
وأكد أخصائي طب الأطفال، أن العديد من الدراسات تشير إلى أن استخدام المضادات الحيوية في المراحل المبكرة من الحياة قد يكون له آثار دائمة على صحة الأطفال، لذلك يجب مراقبة استخدامها بشكل دقيق.

الأمراض المصاحبة للسمنة
فيما يخص الأمراض المصاحبة للسمنة، يوضح «عادل» أن السمنة في مرحلة الطفولة ليست مجرد مشكلة جمالية بل هي بوابة للعديد من المشاكل الصحية في المستقبل، مثل مرض السكري من النوع الثاني، أمراض القلب، ارتفاع ضغط الدم، وبعض أنواع السرطان، ولذلك، تعتبر الوقاية من السمنة منذ سن مبكرة أمرًا بالغ الأهمية لتجنب هذه الأمراض.
