11:43 ص
الثلاثاء 25 يونيو 2024
كتب-محمد قادوس:
تلقت دار الإفتاء المصرية، سؤالاً يقول،” ما حكم تلبية الدعوة إلى الوليمة للعائد من الحج؟ فأحد جيراني أنعم الله عليه بأداء فريضة الحج، وعاد إلى أرض الوطن بالسلامة، وعزم على إقامة وليمة في بيته بهذه المناسبة، ودعاني إليها. فما حكم إجابة تلك الدعوة؟ وهل عليَّ حرج إذا لم أحضر؟
أجاب على ذلك، الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، قائلًا الوليمة: اسمٌ لكل طعامٍ يُتَّخَذُ لِجَمْعٍ مِنَ النَّاسِ، وقد يراد بها طعامُ الْعُرْسِ خاصةً، والجمع ولائِم، وَأَوْلَمَ أي: صَنَعَ وَلِيْمَة؛ كما في “المصباح المنير” لأبي العباس الفيومي (2/ 672، ط. المكتبة العلمية).
وأضاف علام عبر بوابة دار الإفتاء المصرية الرسمية: الشرع الشريف حثَّ على تلبية الدعوة إلى الولائم وإجابة الداعي؛ مستشهدًا في ذلك بما ورد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْوَلِيمَةِ، فَلْيُجِبْ» أخرجه البخاري ومسلم واللفظ له.
وعن جابر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى طَعَامٍ، فَلْيُجِبْ، فَإِنْ شَاءَ طَعِمَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ» أخرجه مسلم في “الصحيح” واللفظ له، والإمام أحمد في “المسند”.
وفي تلبية دعوة المسلم إدخالٌ للسرور على قلبه، وصلةٌ للأرحام، وجبرٌ للخواطر، وتطييبٌ للنفوس، وتأليفٌ للقلوب بكسب المحبة والمودة، ومشاركةٌ للمسلم في فرحه بعودته من حجته مغفور الذنب إن شاء الله، وكل ذلك من البِرِّ المأمور به.
فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أنَّ رجلًا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: يا رسول الله، أيُّ الناس أحبُّ إلى الله؟ وأيُّ الأعمال أحبُّ إلى الله عز وجل؟ فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللهِ: أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللهِ: سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ» أخرجه الطبراني في “معاجمه”، وابن بشران في “أماليه”.
وحول حكم تلبية دعوة النقيعة للعائد من الحج وأقوال الفقهاء في ذلك:
ذهب عامةُ فقهاء الحنفية والشافعيةُ في الصحيح والحنابلةُ إلى سُنِّيَّةِ واستحبابِ تلبية دعوة النقيعة.
قال العلامة ابن عابدين الحنفي في “حاشيته على رد المحتار” (6/ 347، ط. دار الفكر): [قوله: (دُعي إلى وليمة) هي طعام العرس، وقيل: الوليمة اسم لكل طعام، وفي “الهندية” عن التمرتاشي: اختُلف في إجابة الدعوى: قال بعضهم: واجبٌ لا يسع تركها، وقال العامة: هي سنةٌ، والأفضل أن يجب إذا كانت وليمةً، وإلا فهو مخيرٌ، والإجابة أفضل؛ لأن فيها إدخال السرور في قلب المؤمن… وفي “البناية”: إجابة الدعوة سنة؛ وليمة أو غيرها] اهـ.
وذهب المالكية في المنصوص عندهم إلى أنَّ تلبية الدعوة إلى “النقيعة” مكروهة، وذهب الإمام ابن رشد إلى إباحتها من غير حرج في التخلف عنها.
قال العلامة الصاوي في “حاشيته على الشرح الصغير” (2/ 499، ط. دار المعارف): [ووجوب إجابة الدعوة والحضور: إنما هو لوليمة العرس، وأما ما عداها فحضوره مكروهٌ، إلا العقيقة فمندوبٌ؛ كذا في “الشامل”، والذي لابن رشد في “المقدمات”: أنَّ حضور الكل مباحٌ إلا وليمة العرس فواجبٌ، وإلا العقيقة فمندوبٌ، والمأدبةُ إذا فُعلت لإيناس الجار ومودته فمندوبةٌ أيضًا، وأمَّا إذا فعلت للفخار والمحمدة فحضورها مكروه] اهـ.
ومقتضى ذلك: أن وجه الكراهة عندهم في تلبية دعوة النقيعة: هو ما يُظن اشتمالها عليه من مقاصد مذمومة كالمحمدة والافتخار ونحوه. فإذا اشتملت على مقاصد محمودة؛ كشكر الله تعالى، وإطعام الطعام، والتودد، وتأليف القلوب: فإنه يستحب إجابتها؛ لاندراجها حينئذ تحت ما نصوا عليه من استحباب إجابة المأدبة إذا اشتملت على تلك المقاصد. وأما إذا فعلت من غير قصد مذموم أو محمود: فإن تلبيتها تكون مباحة.
وأوضح المفتي معني كلمة” النَّقِيعَةُ” هي مشتقة من النقع وهو الغبار؛ لأنَّ المسافر يأتي وعليه غبار السفر، وتطلق على الطعام الذي يصنعه القادم من السفر أو يصنع له؛ كما في “لسان العرب.
وبناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإنه يستحب لك إجابة دعوة جارك الذي عاد من الحج؛ لما في ذلك من البر والصلة، ومشاركته فرحته بأداء ركن الإسلام الأكبر، وإدخال السرور على قلبه، وكل ذلك مما ندبت إليه الشريعة الغراء، ورغَّبت فيه، ورتَّبت الثواب عليه، ولا حرج عليك إذا تخلفت عن إجابة الدعوة.