ماما
ما أنّ يُبلغ الطبيب المرأة بحملها؛ تبدأ الدخول في حالة من التوتر والقلق حتى يحين وقت الولادة، تلك المرحلة الأصعب التي تفتقد الكثير من الأمهات إلى الثقافة الكافية للتعامل معها بشكل سليم، وتحتاج فيها إلى الدعم النفسي والمساندة حتى لحظة وصول الجنين.
ما هي الدولا؟
الدعم النفسي والفهم الجيد لطبيعة تلك الفترة، هو أكثر ما تحتاجه المرأة في تجربة الحمل والمخاض وما بعد الولادة، لذلك ظهرت وظيفة «الدولا»، وهي وظيفة المرأة التي تقدم دعما نفسيا وتوعية كاملة للمرأة خلال فترة الحمل والولادة وما بعدها، الأسباب متنوعة للولادة القيصرية والاتهامات متبادلة ما بين «بيزنس» المستشفيات الخاصة وخوف الأمهات من ألم الولادة الطبيعية، ظنا منهن أن الأولى أسهل وأسرع.
من هنا ظهرت قبل سنوات قليلة، تلك المهنة النسوية للتشجيع والتدريب على الولادة الطبيعية، وعلى الرغم أنها مهنة معروفة عالميًا ولها برامج تدريبية علمية معترف بها دوليا إلا أنه ما زالت أعداد من يمارسها في مصر محدودة.
منذ 11 عامًا، بدأت هبة حامد رحلتها مع مهنة «الدولا»، وكانت في ذلك الوقت من أوائل الدولات في مصر، تجربة ولادتها لطفلها الأول كانت دافعًا لها للدراسة والفهم قبل أن تصبح ممارسًا معتمدا لتلك المهنة: «بدأت بعد ولادة ابني الأول أدرس كورس الدولا، لأني ملقتش حد يساعدني وقت الولادة»، تقول الأم الثلاثينية في بداية حديثها لـ«الوطن»، عن رحلتها مع مهنة الدولا.
حصلت «هبة» ابنة محافظة الإسكندرية، على تدريبات معتمدة من الولايات المتحدة الأمريكية عن بعد «أونلاين» في مهنة «الدولا»، تعلمت فيها كثيرًا عن رحلة الحمل وعملية الولادة، وكيفية تحسين وضع الأجنة لتسهيل الولادة الطبيعية والتمارين اللازمة في أثناء الحمل، كل ذلك أهلها لتلك المهنة التي تمارسها بمفردها دون اتباعها لمستشفى بعينه.
«بشتغل الدولا بشكل خاص بيا مش حابة أكون تابعة لمستشفى معين، عشان هدفي الأول يكون مساعدة الأم مش يكون ولائي للمكان اللي بشتغل فيه»، بحسب وصفها.
الدعم النفسي والجسدي أثناء الولادة
تقوم الدولا بمهام مختلفة تناسب كل مرحلة تمر بها المرأة، بدءًا من الحمل حتى قدوم الجنين إلى الدنيا، وبحسب رواية هبة، إحدى رائدات تلك المهنة في مصر، تنقسم مهمة الدولا إلى جزئين، منها ما يكون مدربة ولادة طبيعية تساعد الأم خلال فترة الحمل على فهم التغيرات الفسيولوجية التي تحدث لجسدها لمساعدتها على تقبل تلك التغييرات وحسن التعامل معها، ومنها ما يكون مرافقة الأم في المستشفى في أثناء الولادة لتقديم الدعم المعنوي اللازم لها وتمارين الاسترخاء والراحة.
خطوة تكميلية لتسهيل الولادة
تصف «هبة» تلك الخطوة بالخطوة التكميلية في عملية الولادة وليست أساسية وضرورية: «الدولا بتشارك الأم في الولادة حسب رغبة الأم نفسها، وأمهات كتير أصبحت بتلجأ لده لأنهم محتاجين دعم نفسي وتوعية صحيحة في المرحلة دي»، وهو الأمر الذي يساعد الطبيب أيضًا في عمله.
ليست «الدولا» مقتصرة على ذلك فقط، فعلى غرار «دولا الحياة» توجد «دولا الفقد» أيضًا، إذ تظهر أهمية الدولا في أكثر التجارب قسوة على الأم وهي فقدان جنينها، إما قبل الولادة بسبب تعرضها للإجهاض وإما أثناء الولادة، وفي الحالتين تلعب السيدة المرافقة للأم الحامل دورا كبيرا في دعمها نفسيًا ومساعدتها على تجاوز تلك المحنة، ربما ذلك كان أصعب ما مرت به الدولا «ندى شاكر»، بحسب روايتها في بداية حديثها لـ«الوطن».
دعم نفسي في حالة وفاة الجنين
«أصعب حاجة مرت عليا في المهنة دي أم كنت معاها في الولادة ومات طفلها» اهتمت ندى بتقديم الدعم النفسي اللازم للأم لتهوين حدة الموقف عليها: «الأم كانت بتلوم نفسها وبتحمل نفسها الغلط في وفاة جنينها وهنا حاولت أفهمها إنها مش السبب ودي إرادة ربنا»، حيث تقوم الدولا بدور مهم في مرحلة ما بعد الولادة أيضًا، بحسب رواية ندى.
قبل خمس سنوات، بدأت رحلة «ندى» مع مهنة «الدولا» بعد ثلاثة أشهر فقط من ولادتها لطفلها الأول: «وأنا حامل في ابني الأول كنت حابه أكون فاهمة كل حاجة»، فبدأت بالتواصل مع «دولات» خارج مصر لتوعية نفسها بنفسها، وبعدها قررت امتهان تلك الوظيفة لمساعدة غيرها من الأمهات على تجاوز تلك المرحلة بفهم ووعي، حسب تعبيرها.
توعية بالرضاعة الطبيعية
«الدولا» تساعد الأم أيضًا في تعليمها الرضاعة الطبيعية الصحيحة والتغذية السليمة في أثناء فترة الحمل وما بعدها، وتشجع الأم على الولادة الطبيعية، «بحاول أشجع الأمهات على الولادة الطبيعية لكن إذا اضطرت الحاجة الطبية للولادة القيصرية بقدم الدعم اللازم للأم للتعامل مع القرار الطبي ده»، وحسب وصفها، ترى «ندى» فيما تفعله قيمة سامية قبل أن تكون مهنة تكتسب منها.
الدولا وارتفاع معدلات الولادة الطبيعية
الدكتور إسلام شمس، أخصائي النساء والتوليد والعقم، أكد لـ«الوطن»، أنّ انتشار مهنة «الدولا» في الآونة الأخيرة في مصر، ساعد على زيادة الوعي لدى السيدات الحوامل بأهمية الولادة الطبيعية والبعد عن أي محاولات تخويف منها، وتوعيتها لعدم استغلالها في قرارات طبية خاطئة تلجأ إلى القيصرية كنوع من الاستسهال، بحسب وصفه.
وتابع أخصائي النساء والتوليد والعقم، في وصفه لأهمية مهنة «الدولا» بالإشارة إلى أهمية الدور الذي تقوم به الدولا في تقديم الدعم النفسي والبدني اللازم للأم أثناء الولادة دون التدخل في الأمور الطبية، مثل التوعية بالأوضاع الصحيحة اللي تقلل شعور الأم بالألم، وأيضا التوعية بالرضاعة الطبيعية الصحيحة بعد الولادة، كل ذلك رفع من معدلات الولادة الطبيعية على عكس السابق، بحسب وصفه.
تجربة الأم «إسراء» مع الولادة الطبيعية في طفلها الثاني بعد مرورها بتجربة الولادة القيصرية في وضع طفلها الأول، كانت السبب فيها هو الوعي الكافي من خلال «الدولا»، حيث لجأت الأم إلى الفهم والتثقيف بعد شعرت باستغلال الطبيبة لها في أول تجربة ولادة: «هي استغلت إني ماكنتش فاهمة أي حاجة ولجأت للقيصري بدون ما تاخد رأيي وبعدها بدأت أحاول أفهم أكتر عن الحمل والولادة»، تقول الأم في بداية حديثها لـ«الوطن».
بعد دراستها لوظيفة «الدولا» حرصت الأم إسراء على الاستعانة بـ«دولا» تقدم لها الدعم النفسي اللازم خاصة في ظل غياب زوجها في توقيت الولادة، «الدولا بتفضل قاعدة جنب الأم لحظة بلحظة طول فترة المخاض اللي بتسبق الولادة ودي مهمة في توفير دعم نفسي وبدني من خلال تمارين رياضية ووضعيات تقلل الألم»، ونجحت «إسراء» في ولادة طفلها الثاني طبيبعا دون أي تدخل جراحي، وأكدت أن الوعي الكافي يساعد الأم على اتخاذ قرار الولادة الطبيعية.