صحة
نجح فريق بحثي من جامعة نوتنغهام البريطانية في تطوير طلاء مبتكر مضاد للميكروبات، يتميز بقدرته في القضاء الفوري على البكتيريا والفيروسات بمجرد ملامستها لسطحه.
ويهدف هذا الابتكار إلى الحد من العدوى المرتبطة بالأسطح، خاصة في البيئات التي تشهد كثافة بشرية عالية مثل المستشفيات، ووسائل النقل، والأماكن العامة.
وتُعد الأسطح العامة من أبرز بؤر انتقال العدوى، حيث يمكن للبكتيريا البقاء عليها لأيام بل وأحيانًا لعدة شهور، ما يحولها إلى خزانات لجينات مقاومة للمضادات الحيوية.
وأوضح الباحثون أن الطلاء الجديد يعتمد في تركيبه على مادة الكلورهيكسيدين المطهرة، وهي مادة تُستخدم بشكل شائع في المجال الطبي لتعقيم الجروح وتجهيز المرضى قبل العمليات الجراحية، وما أن يجف الطلاء على السطح، حتى يبدأ في مهاجمة الكائنات الدقيقة وقتلها دون أن يُطلق مركبات ضارة في البيئة أو يتآكل بفعل الاستخدام المتكرر.
ووفقًا للتجارب، أظهر الطلاء فعالية ضد مجموعة واسعة من مسببات الأمراض، بما في ذلك المكورات العنقودية الذهبية المقاومة للميثيسيلين (MRSA)، وفيروسات الإنفلونزا، وفيروس كورونا المستجد.
ويؤكد الفريق البحثي أن المادة المطورة تفتح الباب أمام إنتاج حلول عملية للحد من انتشار الأمراض المعدية، مع إمكانية تطبيقها على أسطح متنوعة مثل المعادن والبلاستيك، ما يجعلها خيارًا مناسبًا لمجالات متعددة تشمل الرعاية الصحية، والنقل، والطيران، والصناعات المختلفة.
طلاء مقاوم للبكتيريا.. ليس المرة الأولى
هذه الفكرة ليست جديدة بشكل تام، ففي 2020 ذكرت وكالة شينخوا الصينية، أن مجموعة باحثين في الصين نجحوا بتطوير طلاء مضاد للميكروبات يوفر حماية فعالة تدوم حتى 6 أشهر، وذلك بحسب ما أعلنته الأكاديمية الصينية للعلوم.
وفي العادة، تعتمد المواد المضادة للميكروبات المستخدمة على نطاق واسع على مركبات مثل الكحول والفينولات والأملاح المعدنية، والتي تُستخدم للقضاء على الكائنات الدقيقة الشائعة، إلا أن فعالية هذه المواد غالباً ما تكون قصيرة الأمد، ولا تتجاوز بضع ساعات.
وقد تم ابتكار الطلاء باستخدام تقنية «الكبسولة الدقيقة»، وهي تقنية تعتمد على احتواء مواد فعالة، مثل الأدوية أو النكهات – داخل كبسولات صغيرة تُطلِق محتواها عند تعرضها للكسر أو الذوبان أو الإذابة، ما يطيل من فترة الفعالية الوقائية للطلاء.
كيف يعمل الطلاء في القضاء على الفيروسات؟
أكد الدكتور إسلام عنان، أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة، لـ «الوطن» أن الطلاء المحتوي على مادة الكلورهيكسيدين (Chlorhexidine digluconate)، وهي مادة معروفة بقدرتها على قتل الميكروبات، له القدرة على ما يلي:
تدمير الغشاء الخلوي للبكتيريا والفيروسات.
الكلورهيكسيدين يسبب ضغط أكسدي (oxidative stress) يؤدي إلى تلف الدهون والبروتينات في الغشاء الخلوي، وبالتالي تسرّب المحتوى الداخلي للخلية وموتها الفوري.
وأوضح الطبيب إن الدراسة أظهرت أن الطلاء قضى بالكامل على E. coli وStaphylococcus aureus وPseudomonas aeruginosa وCandida albicans، وهي من أبرز الكائنات الممرضة في المستشفيات.
الكلورهيكسيدين.. هل استخدامه في الطلاء آمن على الصحة؟
وفقًا للدراسة فالكلورهيكسيدين لا يتسرب من الطلاء، وتم تأكيد ذلك باستخدام اختبارات تسريب (Leachate Analysis) وتحليل HPLC، وبالتالي لا يتعرض الإنسان بشكل مباشر للمادة الفعالة من خلال ملامسة الأسطح المطلية، كما أن الطلاء لا يُحدث تغيّرات في الخصائص الفيزيائية أو البصرية للسطح، ما يجعله آمنًا للاستخدام في الأماكن العامة.
مؤكدًا إنه يجب أخذ الحذر في حال كان هناك حساسية شديدة تجاه الكلورهيكسيدين، حتى لو لم يثبت أنه يتسرب من الطلاء.
الكلورهيكسيدين له فعالية واسعة المدى، على ما يلي:
ضد الفيروسات:
لأنه يُذيب الغلاف الدهني (lipid envelope) الموجود في فيروسات مثل SARS-CoV-2، ما يعيق قدرة الفيروس على إصابة الخلايا.
• البكتيريا المقاومة:
مثل MRSA وchlorhexidine-resistant E. coli، وقد اختُبر الطلاء ضد هذه السلالات المقاومة ونجح في القضاء عليها تمامًا، ما يدل على أن الطلاء يقتل عن طريق ملامسة مباشرة وليس فقط تركيز سطحي.
دور الطلاء بالأماكن العامة والمستشفيات في السيطرة على العدوى
تؤكد الدراسة أن الطلاء يقتل البكتيريا والفطريات بشكل كامل في أقل من 24 ساعة، خاصة إنه فعال حتى بعد التعرض المتكرر للبكتيريا وبدون إعادة تعقيم، ما يجعله مناسبًا لبيئات مثل المستشفيات والنقل العام، كما أن الطلاء أثبت مقاومة عالية للتقشر أو الخدش، وبالتالي يحتفظ بفعاليته لمدة طويلة.
الابتكار هنا أنه طلاء قابل للتطبيق على أي سطح موجود، بتكلفة منخفضة وفعالية عالية، ما يجعله أداة واعدة في السيطرة على العدوى المرتبطة بالأسطح.
هل تقاوم البكتريا الطلاء بعد فترة؟
تم اختبار الطلاء على سلالة من E. coli تم تطويرها في المعمل لتكون مقاومة للكلورهيكسيدين، فالطلاء ما زال قتل البكتيريا تمامًا.
وهذا يدل على أن آلية قتل الطلاء تعتمد على التلامس المباشر بتركيز موضعي عالي يصعب على البكتيريا التكيف معه.
لكن الباحثين أوصوا بمزيد من الدراسات طويلة الأجل لرصد احتمالية تطور مقاومة مستقبلية، خاصةً في بيئات مكتظة بالتعرض مثل المستشفيات.
