علاقات و مجتمع
اختلفت طفولته كثيرًا عن غيره من الأطفال، فكُتب عليه أن يكون يتيم الأب، وهو في الثانية من عمره، لتكُن والدته وعموده الفقري، هي الأب والأم معًا، الإمام الشافعي، محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع، ابن السيدة اليمنية، فاطمة بنت عبدالله الأزدية، حافظة القرآن والحديث التي أبصرت بأحكام الشريعة، فكانت غزة مستقرها رفقة زوجها وُضعت عليها «محمد الشافعي» سنة 150 هجريا وبعد أن بلغ الثانية من عمره مات زوجها تاركا وراءه «فاطمة» الأم الشابة، وابنهما محمد والفقر ثالثهما.
الإمام الشافعي.. قدمته أمه لحلقات العلم
ملحمة إنسانية يغلفها العلم تحيط بسيرة الإمام الشافعي المجسّدة في مسلسل رسالة الإمام بطولة خالد النبوي، تجسد صاحب المذهب الشافعي، الذي عاش في كفالة أمه، فاطمة بنت عبدالله الأزدية، اشتهرت بالحكمة والفضيلة، وأهدت الأمة سطورا من المجد والعز والكبرياء، فوهبت فلذة كبدها «الشافعي» لحلقات العلم، تجوب به البلدان وتقدمه للشيوخ والعلماء، فكان لها تأثير قوي في رحلته، تحجز له مكانًا وسط حلقات العلم والدين، حتى صار الإمام الشافعي، أحد كبار أئمة الإسلام.
من غزة لمكة والدة الشافعي تقدم الإمام للأمة
رحلة طويلة خاضتها والدة الإمام الشافعي، قبل أن يكمل عامه الخامس، لترحل من غزة إلى مكة بلد الوحي والعلماء، يعيشون في غرفة ضيقة، لكن لا يهمها المعاناة من شظف العيش، بقدر ما همها أن تلبسه لباس العلم، لتبدأ رحلتها مع تعليم نجلها مبادئ حفظ كتاب الله عز وجل، وأسس القراءة والكتابة وحفظ القرآن، فحفظ القرآن الكريم عندما بلغ السابعة من عمره، يدون ما يحفظه من القرآن، ويدرسه على الجلود واغصان الشجر، والعظام، والأوراق المُلقاة على الأرض ليدون على الوجه الآخر لها، فلم يقف الفقر عقبة، بل كان التعليم هو النور الذى سعى إليه ليخرج من العتمة، فأعطاه الله قوة رهيبة في الحفظ، لدرجة أنه حفظ أشعار لم يستطيع أحد سواه قراءتها، بحسب ما ذكره الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، في أحدى اللقاءات الإعلامية.
الإمام محمد الشافعي صنيعة امرأة
الإمام محمد الشافعي، صنيعة امرأة، تربى على يد فاطمة أم الإمام التي عُرفت بالفطنة والذكاء والتفقه في الدين، فنقل عنها المؤرج التاج السبكي أنها تقدمت هي وامرأة أخرى مع رجل للإدلاء بشهادة أمام القاضي، فأراد القاضي أن يفرق بينهما، فقالت له: ليس لك ذلك، ثم ذكرت قول الله تعالى: «أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى» فانصاع القاضي لقولها، ليصفها من القانتات العابدات، ومن أذكى الخلق فطرة.
فأوقفت ابنها بين يدها، وقالت له: أي بني عاهدني على الصدق، فعاهدها الشافعي أن يكون الصدق له في الحياة مسلكاً ومنهاجاً، فلم لم يخطو «الإمام الشافعي» خطوة نحو العلم إلا بمساعدة والدته، الجندي المجهول بحياته، التي قدمت العلامة الشافعي للأمة، فبدأ الدراسة وهو في السابعة من عمره، ودرس السنة، وحفظ الموطأ وهو ابن عشر سنين، كما أتقن من العلوم القرآن، والتّجويد، والحديث وهو في عمره الثالث عشر، ثم أخذ يطلب العلم في مكة حتى أُذن له بالفتيا، قبل أن يتم عمره العشرين.
ويروي الشافعي عن نشأته، قائلًا: «كنت يتيماً في حجر أمي، ولم يكن لها ما تعطيني للمعلم، وقد رضي مني أن أقوم على الصبيان إذا غاب وأخفف عنه، وحفظت القرآن وأنا ابن سبع سنين، وحفظت الموطّأ وأنا ابن عشر، ولما ختمت القرآن دخلت المسجد، فكنت أجالس العلماء وأحفظ الحديث أو المسألة وكان منزلنا في شعب الحيف، ما كنت أجد ما أشتري به القراطيس فكنت آخذ العظم وأكتب فيه واستوهب الظهور – أي الرسائل المكتوبة – وأكتب في ظهرها، فعدت إلى أمي أقول لها: يا أماه تعلمت الذل للعلم والأدب للمعلم».
فطفولة الإمام الشافعي لم تكن كطفولة من حوله، فكان البحث عن العلم مطلبه، وتخطي الصعاب غايته ووسيلته، فرغم صغر سنه إلا أن الرجال كانوا يحبونه لأدبه، وأخلاقه الكريمة، وسلوكه المستمد من القرآن والأحاديث والسنة