مع الخيوط الأولى للفجر، يخرج «محمد جابر» إلى المسجد المجاور لمنزله في الأقصر لتأدية صلاة الفجر جماعة، ثم يغادر صوب محطة قطارات إسنا، قاصدا محله الصغير المواجه للمحطة، يبدأ تحضير الفول مستحضرا ذكرياته مع والده وجده، الذي بدأ العمل في المحل ذاته قبل عامين، يرتب الأرائك الصعيدية التي يجلس عليها الزبائن لتناول الإفطار، ويتذكر كيف كان والده وجده يفعلان الشيء ذاته، وإلى جانب الأرائك «زير» يرتوي منه من يكمل طعامه، وهو ينظر بعينيه إلى جدران المحل العتيق، الذي حافظ صاحبه عليه كما هو دون تغيير أو تطوير، واعتبره تراث لا يمكن المساس به.
محل عمره 100 عام
المحل الصغير المواجه لمحطة قطارات إسنا، لا يميزه أنّه «عتيق» وعمره نحو 100 عام فقط، لكنّ مذاق الفول الشهي هو عامل الجذب الأكبر الذي يأتي بالزبائن إليه من كل مكان، خاصة المسافرين الذي يلفت انتباههم الرائحة المميّزة، لأقدم مطعم فول في المدينة لأصحابه «آل جابر».
بداية رحلة العمل
رفض «محمد جابر» صاحب الـ70 عاما التخلي عن مهنة والده وجده، وبعد وفاتهما قرر الحفاظ على المحل مفتوحا أمام الزبائن، كان يبدأ عمله بعد صلاة الفجر حتى التاسعة صباحا، وبعدها يذهب إلى عمله «مهندس زراعي»، ويعود منه إلى المحل لتدميس الفول وتحضيره لليوم التالين وبعد خروجه إلى المعاش استمر في العمل كما هو، يقول لـ«الوطن»: «المحل هيفضل مفتوح، أنا باجي ألاقي الزباين واقفة مستنياني قدام باب المحل».
يقف «عم محمد» منذ الصباح الباكر في محله العتيق، مرتديا جلبابه الصعيدي، يمسك بأطباق الفول ويقدمها إلى زبائنه بيد «مكرمشة» من أثر الزمن ومشقّة المهنة، يوضح أنواع الفول التي يقدّمها لزبائنه، قائلا: «بعمل فول بس، وفي فول بالسمنة البلدي، وفول بالليمون، ولو قفلت المحل يوم الناس تلومني وتزعل مني».
تحدّث الرجل السبعيني عن سر تمسّه بالمحل كما هو دون تطوير منذ 100 عام حتى الآن، قائلا إنّ المكان كما هو يذكّره بوالده وأجداده: «أنا بحب شكله كده والناس زيي بتحبه زي ما هو، المحل هيفضل مفتوح للزباين بروحه الحلوة اللي بتميّزه عن غيره».