حنان وسط أسرتها السودانية
في نهار السبت الموافق الخامس عشر من أبريل الماضي، كان بال «حنان» منشغل بنشاط جديد تستعد لتنفيذه بالمؤسسة التنموية الخاصة بها في العاصمة التي استقرت بها قبل خمس سنوات بصحبة أبنائها ووالدتها، وتتزاحم الأفكار في رأسها، فجلست أمام شاشة التليفزيون في بيتها الكائن بمنطقة فيصل بمحافظة الجيزة، لتأخذ قدرا من الراحة وفي يدها كوب القهوة.
أخبار اندلاع الاشتباكات في السودان
فوجئت بأخبار عاجلة تفيد باندلاع اشتباكات عنيفة في العاصمة السودانية، تملكها الشك وتلاحقت ضربات قلبها، لم تكن تلك المرة أمرًا عاديًا، فالجميع في حالة قلق وبيانات الحكومة تحذر المواطنين على مدار الساعة، فهرولت مسرعة نحو هاتفها المحمول لتطمئن على زوجها الذي يقيم بالخرطوم، ولم تهدأ إلا بمجرد سماع صوته.
استقرت في مصر لتعليم أولادها
قبل خمس سنوات من الآن، استقرت «حنان محمد» في مصر، بعد نهاية رحلة علاج طويلة لزوجها، اختارت هي البقاء بمصر حين وصل أبنائها إلى مرحلة الدراسة الجامعية، فاختارت لهم التعليم المصري وعاد زوجها إلى الخرطوم لمباشرة عمله هناك، تقول في بداية حديثها لـ«الوطن» عن حياتها الجديدة بصحبة والدتها وأبنائها.
داخل أحد العمارات السكنية في منطقة فيصل، تعيش السيدة القادمة من العاصمة السودانية الخرطوم، ومن قبل اغتنمت فرصة تواجدها بمصر وترددها على الأسواق المصرية للتجارة، لتكوين صداقات عديدة مع المصريين، فكان ذلك حجر الأساس في شبكة علاقات واسعة لها داخل العاصمة القاهرة، «من كتر ما زورت مصر السنين اللي فاتت أصبح ليا علاقات واسعة مع المصريين هنا، جيراني وأصحابي في العمل كلهم مصريين» لم تشعر أبدا بينهم بالغربة، بحسب وصفها.
زوجها في الخرطوم
الاشتباكات في عموم السودان تحصد الأرواح، يفر الآلاف من السودان كل يوم إلى دول الجوار من بينها مصر، التي أحسن أهلها استقبال السودانيين على الحدود البرية معهم، وقلب «حنان» معلق ببلدها الأم، كلما استيقظت من نومها تحسست هاتفها المحمول لتجري مكالمة هاتفية إلى زوجها وشقيقها بالعاصمة السودانية، التي تتركز بها الأحداث الحالية.
«في أول أيام الاشتباكات كانت الشبكات مقطوعة بيننا وبينهم وبحاول أتواصل معاهم عبر الإنترنت»، أيام من الرعب والقلق عاشتها الأم الأربعينية وصفتها بـ«الكابوس»، حتى استطاع زوجها وأخيها الانتقال إلى منطقة هادئة بعيدة عن الاشتباكات الحاصلة هناك.
الحياة في السودان
رغم انتقال زوجها وشقيقها إلى منطقة آمنة بالعاصمة السودانية الخرطوم، لا يزال بال «حنان» منشغل بما يجري في بلادها، أراحت ظهرها على الأريكة قليلا وعادت بالزمن إلى الوراء أكثر من عشر سنوات، تروي لـ«الوطن» الوجه الآخر لبلاد السودان، الذي لا يعرفه الكثير، وكيف كانت الحياة هناك من قبل، «بعيد عن الأحداث الصعبة، بلدنا جميلة جدا وفيها أماكن خلابة، خصوصا في الخرطوم، كانت وجهة سياحية».
سلة غذاء العالم
«سلة غذاء العالم»، هكذا كانت تعُرف السودان منذ أوائل تسعينيات القرن الماضي، وعاد السببُ في ذلك إلى وفرةِ الأراضي الزراعية والمياه، واحتلّت المرتبة الثالثة في إنتاج السمسم بعد الهند والصين، كما تم إدراجها في قائمة الدول الأكثر إنتاجا للذرة، بخلاف إنتاجها من القمح، أما الصمغ العربي، يعتبر عماد التجارة السودانية، بحسب ابنة الخرطوم.
مناطق طبيعية جذابة
شعور بالوحشة تملكها أثناء حديثها عن خير السودان، اتضح جليا على ملامح وجهها وعينها التي دمعت، وهي تصف جمال الطبيعة في إقليم دارفور غرب السودان، الذي يتميز بوجود مرتفعات جبل «مرة» التي تعتبر أكثر أراضي دارفور خصوبة وجمالاً، إلى جانب ينبوع «كرتكيلا» البركاني المعالج للعديد من الأمراض الجلدية، «زمان كانت السياحة العلاجية نشيطة في إقليم دارفورـ وكانت وجهة سياحية عالمية»، كل ذلك ينضم إليه جمال من نوع آخر، حيث تتميز تلك المنطقة بنباتات وأشجار غير موجودة في بقية أنحاء السودان، مثل التفاح والعنب والصنوبر، إضافة إلى أنواع نادرة من الزهور المنتشرة بين الصخور، حسب تعبيرها.
العصيدة والكسرة الطبق السوداني الأشهر
السفرة في بلاد السودان عامرة بأصناف شهية، منها ما تشابه مع الأكل المصري ومنها ما اختلف، لا تخلو مائدة يوم الجمعة هناك من طبق العصيدة الشهير، أما «الكسرة» فهو الخبز المميز هناك، يشتهر به سكان الشمال تحديدا، أجادت الأم السودانية إعداد «المحشي» على الطريقة المصرية بمساعدة جيرانها السيدات، «المحشي المصري اتعلمته بطريقته اللذيذة وبقيت أعمله لأولادي وحبينا طعمه»، قالت بلهجتها السودانية التي تتمسك بها رغم مغادة بلادها.
الكركديه والعرديب
الكركديه والعرديب السوداني والدوم، أكثر المشروبات حضورا على سفرة أهل السودان، يتمسك بها السودانيين المقيمين بمصر، يعتبرونها من التراث لبلادهم، «لازم الكركديه على السفرة بعد الأكل للتحلية»، إلى جانب شهرتهم بـ«شاي العصاري» حيث تجتمع عليه أفراد الأسرة بعد الانتهاء من تناول وجبة الغداء، حسب وصفها.
يعشق أهل السودان المغنى والمرح في جلساتهم الخاصة، لـ«قعدة القهوة» مزاجا خاصًا، يجلسون على الأرض وبجوارهم براد القهوة والفناجين، وفي الخلفية صوت الأغاني السودانية بموسيقاها التي تجمع الطابع الإفريقي والنوبي معًا، تختلط رائحة القهوة بالبخور السوداني «المعتق»، هكذا يحبون طعمها، «لازم نبخر القهوة وتختلط ريحتها بريحة البخور» في جلسة ونس تجتمع بها السيدات يتبادلن أخبارهن معًا، ويرددن الأغاني بصوت مسموع.
العلاقات الطيبة التي تربط «حنان» بجيرانها المصريين، أزالت من أمامها عوائق الغربة، ونجحت في تأسيس مبادرة مجتمعية خاصة بها لدعم السيدات اللاجئات والمصريات أيضا، تسعى لتعليمهن حرفة يكتسبن منها دخلا كافيا، «المبادرة المجتمعية بتضم جنسيات مختلفة مش بس السودان، كل اللاجئات وحتى المصريات بيتعلموا الخياطة والطبخ وكل الحرف اليدوية اللي تساعدهم على المعيشة»، فتحولت إلى عنصر فاعل ومنتج في المجتمع المصري الذي جمعها به علاقات قوية في سنوات قليلة.
زوال شعور الغربة وامتزاج «حنان» بالشعب المصري، لم ينفي حزنها على ما يجري في بلادها، تمنت لو استفاقت باكرا على أخبار تفيد باستقرار الأوضاع هناك وعودة الأمور إلى طبيعتها، أثنت على ما فعله المصريون من مواقف «جدعنة» وشهامة مع السوادنيين على الحدود، «الشعب المصري والحكومة المصرية بيقدروا السودان وشعبها ومواقفهم مع أهلنا على الحدود كلها شهامة»، هكذا عبرت عن حبها لشعب مصر الذي تعتبر نفسها واحدة من أبنائه.