تحت شمس أسوان الساطعة وبين ضفاف نهر النيل، تحتضن الطبيعة معبد كلابشة كتحفة معمارية تأسر القلوب، ليكون شاهدًا على تاريخٍ طويلٍ وثري بدأ منذ العصر الروماني. بُني في عهد الإمبراطور «أغسطس» وشارك في بنائه إمبراطوران آخران، ما جعله لوحة حيّة تُظهر التّمازج بين الحضارات المصرية القديمة واليونانية والرومانية. فمن النقوش التي تروي قصصًا تاريخيةً إلى قدس الأقداس الذي احتضن عبادة الإله «ماندوليس»، يأخذك معبد كلابشة في رحلة لا تُنسى عبر الزمن، حيث تلتقي الأساطير بالماضي لتكشف عن أسرارها.
معبد كلابشة ينسب إلى قرية كلابشة
ويقول الدكتور أحمد عامر، الخبير الأثري والمتخصص في علم المصريات، إنّ معبد كلابشة ينسب إلى قرية كلابشة الواقعة على بعد 57 كيلومترًا من مدينة أسوان، والمعبد قبل أن ينقل إلى موقعه الحالي، كان يقع على الضفة الغربية لنهر النيل على بعد 55 كيلومترا إلى الجنوب من أسوان.
ويحكي «عامر»، لـ«الوطن»، أنّ معبد كلابشة يتشابه في تخطيطه مع تخطيط المعابد المصرية، وتحديدا في عصر الدولة الحديثة، فنجد واجهة المعبد تتكون من صرح يتوسطه مدخل يؤدي إلى فناء أمامي، أما من الخلف، نجد دهليزين يؤديان إلى قدس الأقداس، ويحيط بالمعبد ممر يتضمن الجزء الجنوبي منه بئرا دائرية بها سلم يؤدي إلي قاعة.
نقوش جدران معبد كلابشة
الخبير الأثري أوضح أنّ معبد كلابشة يوجد به مناظر لمعبودات النوبة المختلفة، كما يوجد به نقوش ديموطيقية وقبطية ويونانية، إضافة إلى مجموعة من الرسومات المسيحية، وكل هذه النقوش تشير إلى المعتقدات المختلفة التي تعاقبت على هذا المعبد، وأنّه يحكي تاريخ وحضارة الجنوب، ويعتبر من أهم معالم أسوان السياحية ومنطقة جذب للسياح.
المتخصص في علم المصريات قال أنه يوجد نصين تاريخيين مهمين نُقشا باللغة اليونانية أولهما يؤرخ لعام 249 م، ومحفور على واجهة المعبد، ويتعلق بقرار الوالي الروماني بمنع تربية الخنازير في إطار حرم المعبد، والثاني يسجل انتصار الملك النوبي سيلكو علة قبيلة البليميز في القرن السادس الميلادي.
وبحسب الموقع الرسمي لوزارة السياحة والآثار، فإنّ معبد كلابشة تقليدي في تخطيطه، يتكون من صرح يؤدي إلى الفناء المفتوح، الذي يؤدي بدوره إلى قاعة الأعمدة، بينما تقع غرفتان مستعرضتان خلفهما، وهما بمثابة غرف للقرابين. وبطبيعة الحال نجد في أقصى نهاية المعبد قدس الأقداس، حيث تم الاحتفاظ بتمثال للمعبود كما هو المعتاد.
كما تقع مقصورة صغيرة منحوتة جزئيًا في الصخر للمعبود النوبي دِدوِن في الجهة الجنوبية الغربية، ومقصورة صغيرة على الأرجح أنّها شُيدت في عهد بطلميوس التاسع في القرن الثاني قبل الميلاد تقع في الشمال الشرقي.
لقد تركت ثقافات متعددة على مر الزمن بصماتها على معبد كلابشة، بداية من تكريس المعبد للمعبود النوبي إلى النقوش والنصوص المكتوبة باللغة المرَّوية واليونانية. تُشير الأعمدة النحيلة والتباعد الواسع إلى التأثر بالتقاليد اليونانية الرومانية، كما يوجد العديد من الصلبان المنحوتة على جدران المعبد في بداية انتشار المسيحية في المنطقة، وهكذا تم استخدم قدس الأقداس كهيكل كنسي لاحقًا، وتم إدراج الأثار المصرية في النوبة من أبو سمبل إلى فيله على قائمة التراث العالمي لليونسكو في عام 1979.