الطالب يوسف نادر
لغز عمره 2000 عام، مدفون داخل لفافة مُتفحمة بسبب ثوران بركان جبل فيزوف في مدينة بومبي القديمة بإيطاليا، والتي دمرها البركان وقتها، فـ ظلت مدفونة تحت الأرض حتى أصبحت هشّة للغاية بسبب الحرارة والغازات الناتجة عن البركان، ما جعل رموز هذه اللفافة بالكاد يُرى إلا أنّ الطالب المصري يوسف نادر، نجح في فك رموز مخطوطات «هيركولانيوم» الرومانية المكتوبة بالحبر الكربوني.
«يوسف» يفك رموز المخطوطات بالذكاء الاصطناعي
مخطوطات «هيركولانيوم» الرومانية كانت قد تعرضت لأضرار بالغة في ثوران بركان فيزوف الإيطالي عام 79 بعد الميلاد، وتحتوي على حوالي 1800 قطعة من اللفائف، يُعتقد أنها تحتوي على أعمال أدبية وفلسفية من القرنين الأول والثاني قبل الميلاد، وقد نجح في فك رموزها يوسف نادر صاحب الـ27 عامًا، الذي تخرّج في جامعة القاهرة عام 2020، باستخدام تقنية الذكاء الاصطناعي، بعد أن رصد دكتور بجامعة كنتاكي في أمريكا جائزة مالية لأي شخص يستطيع قراءة المخطوطات.
يروي الشاب العشريني في تصريحات خاصة لـ«الوطن» كواليس انضمامه لمسابقة تحدي «فيزوف» التي شاهد إعلانها عبر موقع شهير للذكاء الاطصناعي، تطلب من المتسابقين اجتياز قراءة المخطوطات المدفونة أسفل رماد بركاني في هيركولانيوم، والتي يُعتقد أنها كانت مملوكة للوسيوس كالبورنيوس بيزو كيسونينوس، والد زوجة يوليوس قيصر: «الهدف كان أنّنا نقدر نقرأ أكبر كمية من المخطوطة، يعني مثلًا نقرأ 4 فقرات من المخطوطة وبعدين باقي المخطوطة».
المخطوطات المُتفحمة تنتمي للقرن الـ17، وقبل إطلاق المسابقة؛ حرص البروفيسور «سيلز» المتخصص في علوم الكمبيوتر على فرد المخطوطة التي ظلت ملفوفة لأعوام دون أن تتعرض لأي تلف خاصة وأنّها هشّة جدًا، حتى يفسح المجال للمتسابقين في فك رموز المخطوطات على وضعها الحالي: «الدكتور كانت مهمته يفرد المخطوطات دي من غير ما ندمرها لأن من كتر ما حالتها متدهورة ممكن تتفتفت فمنقدرش نمسكها، فهو طوّر برامج باستخدام أشعة (إكس راي)عشان يفردوها من غير ما نلمسها ومن هنا بدأت المسابقة وبدأنا نقرأ المخطوطة».
وقت ومجهود كبير بذلهم طالب الدراسات العليا في مجال الروبوتات الحيوية بالجامعة الحرة في برلين، حتى يتمكن من قراءة المخطوطة، إذ عكف حوالي شهرين بين تجارب تصيب وتُخطئ، ومحاولات تتراوح بين 8 إلى 10 ساعات يوميًا حتى بدأت المخطوطة تنكشف أمام عينيه شيئًا فشيئًا، ويتوصل إلى الحروف الأولى من الرموز: «المخطوطة كانت عبارة عن ثري دي، وكانو بيستخدموا فيها كربون (بيزد) ومكانش فيها أي معادن وده بيخلي الحبر والمخطوطة الاتنين شكلهم واحد، وقعدت شهرين عشان أجرب حاجات أقدر بيها».
وفي هذه المرحلة من قراءة المخطوطة، يحكي طالب الدكتوراه العشريني عن دور الذكاء الاطصناعي الذي ساعده على فهم الرموز، من خلال تمييز الفروقات الصغيرة والبسيطة بين الحبر والكربون المستخدم في المخطوطة، ونجح في التوصل إلى نفس الـ10 رموز التي اكتشفها متسابق آخر ولكن بشكل أكثر وضوحًا: «الذكاء الاصطناعي قدر يشوف الحبر اللي احنا مش شايفينه بعينينا وقدرنا نقرأ الحروف، وكان فيه علماء بردي وعلماء في اللغات اليونانية، قرأوا المخطوطة وقدروا يكونوا أول كلمة من الحروف اللي اكتشفناها، وكانت معناها بنفسجي أو أرجواني».
ونظرًا لأنّ النصوص المحفوظة غير معلومة من أي مصادر أخرى، استغرقت عملية البحث والتقييم من قِبل لجنة التحكيم أسابيع عدة، استخدموا خلالها أساليب مختلفة عن تلك التي اعتمد عليها الطالب المصري لإظهار الحروف والرموز حتى توصلوا في النهاية إلى نفس النتيجة، التي أعلنوا بها فوز «يوسف» بجائزة قدرها 10 آلاف دولار: «اللجنة معندهاش حاجة يقدروا يقارنوا بيها ده كلام مظبوط ولا لأ، وقعدت حالي 3 أسابيع أثتبلهم إزاي الحروف بتظهر، وهم جربوا بنفسهم، وبعد فترة كان عندي معلومات كتير من جوة المخطوطة وهم عادوها من الأول خالص وعملوا تجاربهم واتأكدوا من كل حاجة وبعد فترة بعتولي إيميل إني كسبت».
يوسف يفوز بجائزة 10 آلاف دولار
كان الهدف من المسابقة هو رصد الجائزة للمتسابق الذي يصل إلى 10 حروف أولًا، فكانت الجائزة الكبرى التي قدرها 40 ألف دولار من نصيب لوك فاريتور الذي توصل إليها أسرع، في حين كانت جودة الحروف التي عثر عليها يوسف نادر أكثر جودة: «شعور كان جميل جدًا الحمد لله، وكنت بقالي فترة طويلة بجرب وبعمل أبحاث، وفترة التجارب كانت محبطة شوية لأنّي كنت بجرب حاجات كتيرة وفيه منها مكانش بيظبط».
فرحة لا توصف شعرت بها أسرة الطالب المصري وزوجته فور إخبارهم بخبر الفوز بالمسابقة، خاصة وأنّه يقيم في ألمانيا قبل نحو عامين، ولا يحالفه الحظ أن يتردد كثيرًا على أسرته في الإجازات بسبب طبيعة دراسته للدكتوراه: «أهلي كانو مبسوطين جدًا، لأنّي كل فترة كنت ببعتلهم، وكانوا عارفين إني شغال على المسابقة، وأحيانًا كنت بختفي يوم ويومين وهم كانو متفهمين ودايمًا بيدعولي».
كانت زوجة يوسف نادر هي الداعم الأول له في الغُربة، إذ مكّنها عملها في مجال «السوفت ويير» في مساعدة زوجها خلال فترة المسابقة: «زوجتي كانت دايمًا بتساعدني وبتقعد تفكر معايا، ودعمها معايا بعد فضل ربنا هو اللي وصلني للي أنا فيه، حتى المجموعة بتاعة الجامعة كانوا مبسوطين جدًا، وفيه ناس بعتتلي أنّهم شافوا الأخبار من مواقع تانية، والدكتور بتاعي من أكتر الناس اللي كانت داعمة ليا وفاهمة طبيعة الموضوع وبتشجعني».