كثيرة هي العبادات التي يتقرب بها العبد إلى الله، وتختلف بين عبادات القلوب والجوارح، كالصلاة والصيام والأذكار وقراءة القرآن، وغيرها من العبادات التي قد يصادف أن يفعلها غيرك في الوقت نفسه، بجوارك أو في مكان بعيد، ولكن هناك عبادة وحيدة إذا فعلها المسلم لا يشترك معه فيها أي شخص آخر على وجه الأرض.
عبادة لا يشترك فيها اثنان بنفس الوقت
وهذه العبادة بحسب مجمع البحوث الإسلامية، هي عبادة تقبيل الحجر الأسود، الذي قال عنه الرسول صلَّ الله عليه وسلم لصاحبه سيدنا عمر بن الخطاب: «يا عمر ها هنا تسكب العبرات»، فعند بلوغ المسلم الحجر الأسود وتقبيله لا يشاركه في هذه العبادة غيره إلا بعد أن يفرغ من استلامه، ثم يتسلمه آخر وهكذا.
وقد أوردت دار الإفتاء عبر موقعها الإلكتروني، أنّه يُسن استلام الحجر الأسود وتقبيله عند بداية كل شوط، لمن استطاع ذلك من غير مدافعة ولا مزاحمة، فإن شق على الطائف فعل ذلك فليسْتلِمْه بيده أو بعصًا أو نحوها ثم يقبِّل ما أشار به، ويجوز الاكتفاء بالإشارة دون تقبيل، ويستحب عند الاستلام التكبير والتهليل، ثم يدعو فيقول: اللهم إيمانًا بك، وتصديقًا بكتابك، ووفاءً بعهدك، واتباعًا لسنة نبيك سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
حكم استلام الحجر الأسود وتقبيله
واستدلت دار الإفتاء على جواز استلامُ الحجر الأسود في كلّ شوط بما أخرجه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: «أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كَانَ لَا يَسْتَلِمُ إِلَّا الْحَجَرَ وَالرُّكْنَ الْيَمَانِي» اللفظ لمسلم.
وأخرج مسلم عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: «مَا تَرَكْتُ اسْتِلَامَ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِي وَالْحَجَرَ مُذْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَسْتَلِمُهُمَا؛ فِي شِدَّةٍ وَلَا رَخَاءٍ».
وعند العجز عن الاستلام باليد يستلم الإنسان بشيء في يده، فإن لم يمكنه استلامه أصلًا أشار إليه وكبر؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنه قال: «طَافَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم بِالْبَيْتِ عَلَى بَعِيرٍ، كُلَّمَا أَتَى الرُّكْنَ أَشَارَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ كَانَ عِنْدَهُ وَكَبَّرَ» رواه البخاري، وقد روى عبدالله بن عباس، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «ليبعثَنَّ اللهُ الحجرَ يومَ القيامةِ ولهُ عينانِ يُبصرُ بهما ولسانٌ ينطقُ بهِ يشهدُ بهِ على من استلمَهُ بحقٍّ».
وروى عمرو بن شعيب عن أبيه رضي الله عنه قال: «طفت مع عبد الله، فلما جئنا دبر الكعبة قلت: ألا تتعوذ؟ قال: نَعُوذُ بِاللهِ مِنَ النَّارِ، ثم مضى حتى استلم الحجر، وأقام بين الركن والباب، فوضع صدره ووجهه وذراعيه وكفيه هكذا، وبسطهما بسطًا، ثم قال: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم يَفْعَلُهُ» أخرجه أبو داود.
وقال الإمام النووي في (المجموع شرح المهذب) (8/ 33، ط. دار الفكر): [إذَا مَنَعَتْهُ الزَّحْمَةُ وَنَحْوُهَا مِنْ التَّقْبِيلِ وَالسُّجُودِ عَلَيْهِ وَأَمْكَنَهُ الاسْتِلامُ اسْتَلَمَ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ أَشَارَ بِالْيَدِ إلَى الاسْتِلامِ، وَلا يُشِيرُ بِالْفَمِ إلَى التَّقْبِيلِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، ثُمَّ يُقَبِّلُ الْيَدَ بَعْدَ الاسْتِلامِ إذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ لِزَحْمَةٍ وَنَحْوِهَا، هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الأَصْحَابُ. وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَسْتَلِمَ ثُمَّ يُقَبِّلَ الْيَدَ، وَبَيْنَ أَنْ يُقَبِّلَ الْيَدَ ثُمَّ يَسْتَلِمَ بِهَا، وَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِاسْتِحْبَابِ تَقْدِيمِ الاسْتِلامِ ثُمَّ يُقَبِّلُهَا، فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِن الاسْتِلامِ بِالْيَدِ اسْتُحِبَّ أَنْ يَسْتَلِمَ بِعَصَا وَنَحْوِهَا؛ لِلأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ، اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا، فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَلِكَ أَشَارَ بِيَدِهِ أَوْ بِشَيْءٍ فِي يَدِهِ إلَى الاسْتِلامِ ثُمَّ قَبَّلَ مَا أَشَارَ بِهِ] اهـ.