يعد الموت من أقسى الخبرات النفسية التي يمر بها الأشخاص وتؤثر عليه، وتحديدا بعد وفاة شخص مقرب من العائلة أو الأصدقاء، وعلى الرغم من تأثيرها الشديد على الشخص في حال وفاة إنسان عزيز لديه، إلا أن هذه التأثيرات تتضاعف إذ كان الشخص نفسه هو من اقترب من الموت، وهو ما يعرف في علم النفس باسم ظاهرة «الاقتراب من الموت».
ظاهرة الاقتراب من الموت
وتحدث ظاهرة الاقتراب من الموت للمصابين بأمراض عضال تسبب لهم الدخول في غيبوبة، مثل مرضى كورونا ومن يقضون فترات طويلة داخل العناية المركزة، والمصابين بالسكتات الدماغية أو الإغماء أو حالات الغرق، والسقوط من مكان مرتفع، وأيضًا من يتعرضون للاختناق، وهو ما حدث لضحايا زلزال تركيا وسوريا في الفترة الأخيرة، بحسب حديث الدكتور وليد هندي، استشاري الصحة النفسية.
ماذا رأى ضحايا الزلزال أثناء تواجدهم أسفل الأنقاض؟
وأوضح «هندي» لـ«الوطن»، أنّ هناك عدة أعراض مشابهة تحدث لأغلب المتعرضين لتجربة الاقتراب من الموت على اختلاف ثقافاتهم وانتماءاتهم الدينية ومن بينهم ضحايا زلزال تركيا وسوريا في الفترة الأخيرة، مشيرا إلى أنّ حوالي 90% من هؤلاء الأشخاص ينتابهم شعور قاسي بخروج أرواحهم من أجسادهم، كما أنهم يرون بعض التخيلات والهلاوس البصرية، كأن يرى بعضهم نفقا طويلا أسود أو أبيض اللون وفي آخره يشع نورًا، أو يرى بعض أقاربه المتوفين ويتحدث معهم، في حين قد يرى البعض الآخر ذكريات حياته بالكامل تمر أمام عينيه سريعًا كشريط فيديو.
وهناك بعض الأسباب العلمية التي تفسر رؤية هؤلاء الأشخاص لبعض التخيلات أو الهلاوس البصرية، منها نقص الأكسجين في الدماغ، أو حدوث تغيرات فسيولوجية بها، نتيجة هذه التجربة القاسية وموت بعض الخلايا، وأيضًا إفراز المخ لمادة الإندروفين التي قد تسبب هلاوس بصرية أيضًا، كما تشير بعض الدراسات الحديثة إلى أن هناك آلية في الدماغ تسبب لها كل تلك الهلاوس والتخيلات وتشبه إلى حد كبير آلية الأحلام.
ترديد كلمات غير مفهومة
ونتيجة لهذا الخلل الإدراكي والغيبوبة الحسية التي يتعرض لها هؤلاء الأشخاص فإنهم يُصابوا بحالة شديدة من الهلع، ويحاولون تثبيت أنفسهم ببعض الكلمات التي قد تبدو للبعض على أنها هذيان وغير مفهومة، بحسب استشاري الصحة النفسية، الذي أشار أن هؤلاء الأشخاص في حال عودتهم من هذه التجربة القاسية يُطلق عليهم في علم النفس «العائدون من الموت»، وأن الكلمات التي يتفوهوا بها لتثبيت أنفسهم تكون بناءً على قناعاتهم الشخصية وعقائدهم الإيمانية: «ده نفس اللي حصل للراجل التركي اللي خرج من أسفل الأنقاض بيردد آيات من القرآن الكريم.. وده لأن دماغه متشبعة بالقرآن ومالي قلبه فكان بيردده بشكل لا إرادي».