داخل غرفة العمليات بمستشفيات طنطا الجامعية، سطر الأطباء ملحمة تاريخية ستبقى محفورة في تاريخ مستشفيات مصر إلى الأبد، فلمدة 12 ساعة متواصلة، قام أطباء جراحة المخ والأعصاب بإجراء جراحة متقدمة بالمستشفى التعليمي العالمي، لمريضة تبلغ من العمر 50 عامًا، وتعاني من شلل الرعاش منذ 8 سنوات، حيث قام الأطباء بتركيب جهاز محفز لخلايا المخ العميقة، وتحسنت المريضة بعد معاناة سنوات مع المرض.
الدكتور حسين حمدي أبو الغيط، استشاري جراحة المخ والأعصاب، الجراح الرئيسي في العملية، تحدث لـ«الوطن» عن تفاصيل العملية، وهي واحدة من أكثر العمليات تطورًا وتعقيدًا وتكلفة في مجال الطب الحديث، وتعتمد على أجهزة تقنية متطورة في مجموعة خطوات متسلسلة بترتيب دقيق: «العملية كانت دقيقة للغاية، وأي خطأ في أي مرحلة يعرض العملية بالكامل للإلغاء وتستخدم لعلاج الشلل الرعاش».
العملية التي قام بها الأطباء، تعتمد على تركيب بطارية تحت الجلد في منطقة الصدر يتم توصيلها بالكترود، وهو عبارة عن سلك ممتد داخل أنسجة المخ عبر فتحة في الجمجمة قدرها 1 سم، تسمح بمرور الإلكترود إلى منطقة صغير جدًا تسمى أسفل المهاد يصل قطرها من 5 إلى 10 مللميتر.
صعوبة العملية الجراحية
صعوبة العملية، تكمن في تحديد أفضل مكان داخل الجزء الذي يعتبر «متناهي الصغر»، الذي يحقق أفضل نتيجة، وفق الدكتور حسين، مضيفا «صعوبة العملية أيضًا في إرسال إشارات كهربية لهذا المكان دون أي أعراض جانبية، وأيضًا كيفية الوصول إليها بدقة عبر فتحة 1 سم بالجمجمة».
تكلف الجراحة وصلت إلى مليون جنيه تحملتها الدولة
وتخطت تكلفة العملية مليون جنيه، وتحملت الدولة كامل التكلفة عن المريض والمستشفى التعليمي العالمي بجامعة طنطا.
وبحسب استشاري جراحة المخ والأعصاب، فقد تم استخدام تقنية حديثة لأول مرة لهذا النوع من العمليات بالجامعة: «يوجد في مصر حتى الآن ثلاث جامعات فقط مهيأة للقيام بمثل هذه التقنية الحديثة؛ جامعة عين شمس وجامعة الأزهر وجامعة طنطا، وتسمى العملية تحفيز خلايا المخ العميقة في منطقة أسفل المهاد باستخدام تقنية حديثة، وهي التسجيل والتنبيه داخل غرفة العمليات والمريض مستيقظ لعلاج الشلل الرعاش».
واستمرت العملية لمدة 12 ساعة، بذل خلالها الأطباء جهدًا كبيرًا، لكن لم يفكر أحد منهم في الوقت ولا المجهود، فنجاح العملية ودقة ما يقومون به، هو كل ما كان يشغل تفكيرهم داخل غرفة العمليات الجراحية.
خطوات تنفيذ العملية الجراحية بالكامل
وكشف الدكتور حسين حمدي أبو الغيط، استشاري جراحة المخ والأعصاب، لـ«الوطن»، عن خطوات العملية كالآتي:
– الخطوة الأولى هي تركيب جهاز التصويب الجراحي «Stereotaxy» على رأس المريض محيطًا بالمخ كاملًا، عن طريق تخدير موضعي، ثم يقوم المريض بعمل أشعة مقطعية على المخ والجهاز ليتم نقلها إلى جهاز كمبيوتر متقدم يقوم بمعالجة الأشعة المقطعية وتسجيلها مع فحص رنين متقدم على المخ.
– الخطوة الثانية هي تحديد ورسم منطقة أسفل المهاد بالمخ على فحص الرنين وتخطيط مسار آمن للإلكترود ليمر بمناطق آمنة بأنسجة المخ دون ضرر ومن ثم يتم تحدد مكان فتحة الجمجمة وكل هذا على جهاز الكمبيوتر ووضع خطة محكمة للجهة اليمنى واليسرى من المخ.
– الخطوة الثالثة يقوم جهاز الكمبيوتر بترجمة خطة العملية إلى إحداثيات في الفراغ ثلاثي الأبعاد، ويقوم الفريق الجراحي بنقل هذه الإحداثيات على جاهز التصويب الجراحي المثبت على رأس المريض بمُخدِر كلي، وينتج عن ذلك أن يقوم الجهاز بتوجيهنا إلى مسار محدد عن طريقه نقوم بإدخال الإلكترود داخل المخ وبعمق محسوب لنصل إلى منطقة أسفل المهاد.
– الخطوة الرابعة والأهم والأصعب وتعتبر الخطوة الحديثة والمميزة، وهي تركيب ثلاثة إلكترود متناهي الصغر في الجانب الأيمن وكذلك الأيسر، وفي كل منطقة يتم عمل تسجيل لنشاط خلايا المخ العميقة حتى نتأكد أننا وصلنا إلى منطقة أسفل المهاد والتي لها بصمة خاصة بها تميزها عن أي منطقة أخرى بالمخ، ثم نقوم بإرسال إشارات كهربية في عدة مناطق وعلى أعماق مختلفة داخل المخ للتأكد من أننا في أفضل مكان داخل منطقة أسفل المهاد، فهي طريقة تبادل وتوافق بين المكان وقوة التنبيه وقوة الإشارات الكهربية، فيكون المريض مستيقظًا تمامًا ونرى تأثير التنبيه في لحظتها حيث تتوقف الرعشة في الحال لحين الوصل لأفضل نتيجة.
– الخطوة الأخيرة أخيرًا هي وضع الإلكتورد النهائي في المكان الدقيق بعد التأكد من أنه أفضل مكان داخل منطقة أسفل المهاد ويتم توصيل البطارية بأسلاك تحت الجلد بمنطقة الصدر.
وزير التعليم العالي يشيد بالعملية الجراحية
الدكتور أيمن عاشور، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، أشاد بالإنجاز الطبي الذي حققته مستشفيات طنطا الجامعية في جراحة المخ، بعد نجاح الفريق الطبي بقسم جراحة المخ والأعصاب في إجراء جراحة متقدمة بالمستشفى التعليمي العالمي، والتي استغرقت 12 ساعة بتركيب جهاز محفز لخلايا المخ العميقة لمنطقة أسفل المهاد لمريضة تبلغ من العمر 50 عامًا تعاني من مرض الشلل الرعاش منذ 8 سنوات.
فريق العملية الجراحية
وأجرى العملية الجراحية تحت إشراف حسن التطاوي المدير التنفيذي للمستشفيات الجامعية، ومحمد عامر رئيس قسم جراحة المخ والأعصاب، والدكتور أيمن عبدالمقصود رئيس قسم التخدير والعناية المركزة الجراحية، والدكتور محمد سمير مدير المستشفى التعليمي العالمي، وكذلك تحت إشراف عدد من أساتذة جراحة المخ والأعصاب بكلية الطب جامعـة طنطا، منهم قسم جراحة المخ والأعصاب الدكتور أحمد يوسف، وشريف الخشن مع الاستعانة بدعم من أساتذة كلية الطب جامعـة عين شمس علي شلش، وزياد يسري، ومحمد أشرف.
والفريق الطبي الذى أجرى الجراحة ضم أيضًا حسين حمدي أبوالغيط، استشاري جراحة المخ والأعصاب، وأحمد عصام استشاري التخدير والعناية المركزة، وعدد من الأطباء والممرضين.