المولد النبوي
إحياء ذكرى المولد النبوي، تعد احتفالا بأعظم خير منّ الله علينا به، سيد الخلق -صلى الله عليه وآله وسلم-، فإنه نور الأرض وإشراقها، والاحتفال به احتفال بنعمة الهداية، ونعمة الخروج من الظلمات إلى النور، ونعمة مولد نبي الرحمة، فقد قال الله تعالى: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ».
يقول الشيخ أحمد المالكي، أحد علماء الأزهر الشريف، لـ«الوطن» إنّ الرسول صلّ الله عليه وسلم، أول من احتفل بالمولد النبوي الشريف يوم الإثنين، وكان يصوم كل إثنين، وذلك فيما أخرجه أصحاب الصحيح عن أنّ النبي صلّ الله عليه وسلم قال عندما سُئل عن صيام يوم الإثنين: «ذاك يوم ولدت فيه، وفيه أنزل عليّ»، وثبت عنه صلّ الله عليه وسلم أنّه قال: «تُعرض الأعمال يوم الإثنين والخميس، فأحب أن يُعرض عملي وأنا صائم».
لماذا ولد النبي يوم الإثنين؟
يوضح «المالكي» إنّ النبي صلى الله عليه وسلم ولد في شهر ربيع، وأن الزمان هو الذي يتشرف بالنبي عليه الصلاة والسلام، وليس هو الذي يتشرف بالزمان، وكونه ولد يوم الإثنين يجعل منه يومًا شريفًا، كونه شهد ميلاد النبي، وقد قال العلماء إنّ الله سبحانه وتعالى خلق الشجر يوم الإثنين.
وعن سبب اختيار يوم الإثنين ليكون موعدًا لميلاد النبي صلى الله عليه وسلم، يشير الشيخ أحمد المالكي، إلى أنّ بعض العلماء قالوا إنّ الجنة تُفتح يوم الإثنين، إذ روي عن أبي هريرة رضي الله عنه: «تُفتَحُ أبوابُ الجنَّةِ يومَ الإثنينِ»، والنبي عليه الصلاة والسلام هو الطريق للجنة، لأنّ الجنة تُفتح يوم الإثنين، والطريق إلى الجنة لا يكون إلا عن طريق رسول الله صلّ الله عليه وسلم.
ويضيف العالم بالأزهر الشريف، إنّه في يوم الإثنين يُستحب الإكثار من الخير، إذ يقول الله عز وجل: «قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّه»، فإذا أردت الاحتفال بالنبي عليه الصلاة والسلام، لا بد أن يكون أولًا باتباع سنته، ويتمثل الأمر الثاني في الطاعة كما يقول الله عز وجل: «وأطيعوا الله ورسوله»، أما الأمر الثالث يتمثل في الاستجابة، لقول الله عز وجل: «يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم».
أفضل طرق الاحتفال بالمولد النبوي
من بين مظاهر الاحتفال بمولد النبي عليه الصلاة والسلام، بحسب «المالكي» قراءة سيرة النبي خاصة في شهري ربيع الأول والآخر في المساجد والإعلام، إذ وضع وضع الإمام القاضي عياض كتابه «الشفا بتعريف حقوق المصطفى» خصيصًا لتعريف حقوق النبي عليه الصلاة والسلام، وكان يقرأونه في شهر ربيع الأول وربيع الآخر، وكانت هذه العادة موجودة في المغرب العربي حتى الآن.
ويكون الاحتفال بمولد النبي أيضًا من خلال التعريف بسيرة النبي محمد للأطفال عن طريق الأسرة والمساجد والمدارس واللقاءات الصحفية والتليفزيونية، وفقًا للشيخ أحمد المالكي، مُضيفًا أنّه لا بد من المسلم في هذا اليوم أن يقتدي بنبيه في فعل الخير امتثالًا لقوله تعالى: «وافعلوا الخير» من خلال النظر إلى الفقراء والمساكين، وفعل القربات كالصدقات وغيرها، والتوسعة على الأهل.
الصلاة على سيدنا محمد في يوم مولده من مظاهر الاحتفال أيضًا، بحسب «المالكي»، وأفضل صيغة للصلاة على النبي، هي ما ذكرها رسول الله والمعروفة بالصلاة الإبراهيمية، مُستدلًا بالحديث الصحيح: «يا رسولَ اللَّهِ أمرتَنا أن نصلِّيَ عليكَ وأن نُسلِّمَ عليكَ فأمَّا السَّلامُ فقد عرفناهُ فَكيفَ نصلِّي عليكَ قالَ قولوا اللَّهمَّ صلِّ علَى محمَّدٍ وآلِ محمَّدٍ كما صلَّيتَ علَى إبراهيمَ وبارِك على محمَّدٍ وآلِ محمَّدٍ كما بارَكتَ على إبراهيمَ إنَّكَ حميدٌ مجيدٌ»، ويستحب أيضًا أي صيغة أخرى، لكن الأصل هي التي وردت عن الرسول عليه الصلاة والسلام.
والأصل في الاحتفال بالنبي عليه الصلاة والسلام، أن يكون كل يوم، خاصة في شهري ربيع الأول والآخر، الذي قال عنه العلماء إنّه شهر بركة، إذ يقول «المالكي» إنّ الصلاة على النبي لها فائدة عظيمة منها غفران الذنب وكشف الهم عن المُصلي، ولا نعلم ذكرًا أعظم منه بعد القرآن من الصلاة على الرسول صلّ الله عليه وسلم، إذ يقول الله عز وجل: «إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا».
وأضاف العالم الأزهري، أنّ الصلاة على النبي من الله رحمة، ومن الملائكة استغفار، ومن المؤمنين دعاءً، إذ ورد عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسولُ الله صل الله عليه وسلم: «ما من أحدٍ يُسلِّم عليَّ إلا ردَّ اللهُ عليَّ روحي حتى أردَّ عليه السلام»، وعلى هذا فإنّ الإنسان إذا صلى على النبي وصل السلام إلى سيدنا رسول الله، ويُسَر بالصلاة عليه وباتباع المسلمين له ويفرح بكثرة المصلين عليه.
ويكون أداء العمرة وزيارة قبر النبي صل الله عليه وسلم، من أفضل الاحتفال بالنبي في يوم مولده، والسلام عليه وإيصال السلام له عن من أبلغه السلام.