نبرة أنثوية صعيدية مميزة، ملامح صادقة تتفاعل مع الكلمات، قافية متناسقة، صوت واضح يجمع بين القوة والهدوء، كلمات بسيطة لكنها مُحمًّلة بالمعاني.. كلها صفات تلاقت وتجمَّعت في شخص الفتاة العشرينية «مريم»، ابنة محافظة أسيوط، وهي تطل على متابعيها عبر نوافذ الـ«سوشيال ميديا» لتنقل لهم رسائل خاصة ومميزة في صورة قصائد شعرية مُسطرة باللغة العامية.
الشعر العامي.. وسيلة «مريم» لنقل رسائلها للمجتمع
«بوصل رسالتي حتى لو مش هتتسمع بس بعمل اللي عليا».. كلمات قليلة اختارتها مريم حنا، صاحبة الـ26 عامًا، في بداية حديثها لـ«الوطن»، لخَّصت من خلالها هدفها من وراء تسطير قصائدها الشعرية التي تحاول من خلالها نقل رسائل وتوجيهات مختلفة لمن حولها على اختلاف فئاتهم ومراحلهم العمرية، والتي كان أبرزها قصيدة بعنوان «الأم الناصحة»، والتي لفتت من خلالها وباستخدام ألفاظٍ وتعبيرات صعيدية بسيطة ومميزة أهمية الترابط الأسري وأن تكون أواصر الصداقة هي الرابط بين الآباء وأبنائهم.
بدأت «مريم»، ابنة مركز صدفة بمحافظة أسيوط، رحلتها مع الشعر وهي في الصف الثاني الإعدادي، بعدما تولَّد لديها حب الشعر والرغبة في تنظيمه نتيجة لكثرة استماعها لِما كتبه وألقاه عدد من الشعراء أمثال عبدالرحمن الأبنودي، وأحمد فؤاد نجم، وهشام الجخ: «أخويا كان منزل فيديوهات شعر كتير ليهم على جهاز الكمبيوتر وكنت بتفرج عليهم دايما وبدأت اكتشف إني بحب الشعر وبحب أسمعه».
خوض التجربة الأولى في الشعر العامي
لم تُضِع «مريم» وقتًا وراحت تُسطِر أولى قصائدها الشعرية، والتي كانت بعنوان «الوحدة الوطنية»، ورغم صِغر سنها وقتها، إلا أنها نجحت في الإشارة والتأكيد على أكثر دواعم الوحدة الوطنية في مصر، وعلى الرغم من بساطة الكلمات وربما افتقاد القصيدة لقواعد الشعر الأساسية من وزنٍ وقافية بحكم كونها تجربتها الأولى، إلا أنها نالت بسببها إشادة مِمَن حولها، بل وشاركت بها في مسابقة لتحصد المركز الأول ومن ثم تُطَلب لإلقائها خلال احتفال محافظة أسيوط بيومها الوطني.
توقفت «مريم» عدة سنوات عن كتابة قصائدها الشعرية؛ نتيجة لظروف نفسية سيئة مرت بها بعدما حرمتها وعكة صحية شديدة من الالتحاق بالثانوية العامة، إلا أنها عوَّضت ذلك بدخول دبلوم تجارة ومن ثم معهد فني تجاري لمدة عامين أهلها للالتحاق بكلية التجارة جامعة أسيوط، وعادت مرة أخرى للكتابة بإصرار وتشجيع أقاربها وأصدقائها: «بابا أكتر حد وقف جنبي ودعمني وشجعني طول الوقت»، وأنها عملت خلال هذه الفترة على إصقال موهبتها الشعرية من خلال كثرة الاستماع إلى كبار الشعراء، والأخذ بملاحظات من حولها على ما تكتبه، والبحث والقراءة في أصول الشعر وقواعده.
«مريم»: بكتب بالعامية علشان أوصل رسالتي لأكبر عدد من الناس
«بعرف أكتب قصائد باللغة العربية الفصحى، بس بفضْل الكتابة بالعامية علشان أوصل رسالتي لأكبر عدد من الناس»، بحسب «مريم»، الحاصلة على بكالوريوس تجارة جامعة أسيوط عام 2020، وأنها أنشأت عدة صفحات على منصات التواصل الاجتماعي المختلفة أطلّت على متابعيها من خلالها، وبدأت في نقل رسائلها الخاصة التي تنوعت بين أهمية دعم الوحدة الوطنية، والاعتزاز بالعقيدة، والالتزام بالتربية والأخلاق مهما كلَّف الأمر، إلى جانب قصيدة أخرى بارزة عن أهمية خلق الأباء لعلاقة صداقة مع أبنائهم، والتي كانت بعنوان «الأم الناصحة»، وجاءت كلماتها كالتالي:
«الأم الناصحة اللي تعمَّر وتكون الصُحبة لبنتها، تعوَّض فيها الجاي ليها وتعوَّض حب في يوم فاتها.. وتقول وتزين في سنينك سيرك في يمينك تلاقيه والغلط أوعاكي تعديه، وأمانك تلاقيه في دينك.. وأوعاكي اللمّة الكدابة، وأوعي الصُحبة اللي تهينك.. الأم تِحب بحنية مش بس بتصدر أحكام، الأم الناصحة بعين تسهر وبعين بتنام، الأم الحلوة اللي بتحضن وتكون الحلو في أيام مشافتش الحلو، اللي في عينها تصحابها وتعرف أمكانها وتكون لها دار داخل دارها، تتحمي البنت في صُحبتها ومتخفش تحكي في أسرارها.. يا ماما عملت وسويت وأخدت في لحظة ما أديت.. يا ماما أيه عيب لو حبيت؟ دي نصيحتك دايمًا حمياني يا ماما إنتي الصُحبة الأولى والونَس الدايم في أيامي.. وأبوة أيه اللي تكبَر بالقسوة وبدون ما تلين؟! وأبوة أيه اللي تكسَّر بكلام يتصلح في سنين؟! الأب الحلو اللي بيحضن ويكون الكون واللي حاميها.. يشد في لحظة ما بتلزم ويلين في اللحظة اللي بعديها.. مين قالك مُلزَم بالخلفة؟! لكنك مُلزم تداريهم يشوفوك أنت الحلو في عينهم وتشوف أنت طيب فيهم.. فـ ياللي مشاغلك واخداك الشغل في شغلك يلقاك لكنك لو داخل على دارك ليه تاخده يروَّح ويّاك؟! ويا ست الكل يا شقيانة يا عاملة وكاملة وإنسانة، مفيش ولا شيء راح يفيدك ما تبصي وراعي اللي في دارك، تتعالي ويتعالى مقدارك لو بنتك مضمومة في إيدك».