أمام أحد محال صناعة الآيس كريم بـ«شبرا مصر»، تتراص عربات الجيلاتي التي تحمل طابعا تراثيا في انتظار استلام كل منها حصته من النكهات الطبيعية المختلفة التي اعتاد أهالي المنطقة أبًا عن جد، الاستمتاع بمذاقها في شهور الصيف الحارة دون إضافة أي مواد حافظة أو نكهات صناعية، وفقًا لما رواه عماد شاكر أبو هاني 45 عاما، إذ أسس والده ذلك المقر منذ أكثر من 60 عامًا لصناعة الآيس كريم، معتمدًا على فاكهة كل موسم، ففي الصيف يكون المانجو عنصرا أساسيا في علبة الآيس كريم، بينما تكون الفراولة والموز على رأس قائمة فصل الشتاء، فضلًا عن الاعتماد على عنصري الشكولاتة أو اللبن في كل المواسم: «كل منتجاتنا طبيعية.. بنعمل جيلاتي الشيكولاتة من الكاكاو الخام، والفانيليا من اللبن.. وباقي النكهات من الفواكه».
افتتاح محل الآيس كريم في منتصف خمسينيات القرن الماضي
عندما افتتح الحاج شاكر محل تصنيع الجيلاتي منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، طلب عدد من شباب المنطقة حينها العمل معه، فـ شاركوا بعضهم البعض في تعلم أسرار المهنة والوصول إلى أفضل النكهات بطريقة طبيعية، حتى ذاع صيت المحل في جميع شوارع وحواري شبرا، ليصبح المقر الأساسي لتوزيع الآيس كريم على الباعة أصحاب العربات الجائلة، الذين اشتهروا هم الآخرون بأصواتهم المميزة خلال مناداتهم على أهالي أحياء شبرا، وكان يتسابق الأطفال والكبار للوصول إلى عربة الجيلاتي التي كانت بمثابة عربة الإنقاذ أو الجائزة التي ينتظرها الجميع؛ للتخفيف من موجات الصيف الحارة.
بعد مرور عدة عقود على هذا المشهد، حكي عماد لـ«الوطن»، التغيير الذي حدث بين الماضي والحاضر، وبصوت يملأه الحنين والحزن، تحدث عن تراجع إيرادات المحل شيئًا فشيئًا، منذ حوالي عشر أعوام، مفسرًا ذلك بإقبال الأجيال الجديدة على شراء الآيس كريم ذو النكهات المختلفة من السوبر ماركت: «المكان عايش على حس الناس القديمة في شبرا وأبنائهم وأحفادهم، هما اللي بيحكوا عننا لأصحابهم ويجيبولنا زباين من أماكن كتير»، ومع هذا التغيير، ترك صنايعية المحل المهنة؛ نظرًا لكبر سنهم وعدم قدرتهم على العمل أو لوفاتهم، ما جعله يعتمد على نفسه هو وأحد إخوته في عمل خطوات صناعة الجيلاتي بنفس أسرار الماضي: «أبونا الله يرحمه علمنا كل حاجة.. وكانت وصيته أن المحل ميتقفلش إلا لو الصنعة اختفت لوحدها ومبقاش فيه زباين».
أسعار اقتصادية للزبائن لا تتجاوز 8 جنيهات
صناعة الأيس كريم بالطريقة «البلدي» التي تعتمد على عصر الفاكهة وإضافة الخامات الطبيعية مثل الكاكاو دون إضافة أي مواد صناعية فضلًا عن نظافة وجودة المنتج هو ما ميز محل أبو هاني على مدار 60 عامًا، حسب تعبير عماد، فبعد الحصول على القوام المناسب للأيس كريم يتم تجميده في الثلاجات المخصصة له، ويباع للزبائن في البسكويت أو العلب حسب اختيارهم، ويتم توريد الجزء الأكبر من انتاج المحل للعربات التي يعود تاريخها إلى تاريخ تأسيس المحل: «بنبيع البولة بـ 4 جنيه والبولتين بـ 8 جنيه.. الأسعار اقتصادية ومناسبة لكل الناس مقارنة بجودة المنتج».