في أحد الجوانب من شارع مزدحم بضجيج المارة وكلاكسات السيارات، يقف «عم محمد»، الرجل الستيني، منعزلًا بنفسه يخيم عليه الهدوء الشديد وهو ممسكًا بالشاكوش والأزميل يشكل بهما حروفًا وأسماءً على قطعة رخام صلبة أمامه، شاعرًا بسعادة كبيرة وهو يمارس مهنته التي بدأها قبل أكثر من 45 عامًا.
بداية «عم محمد» في الحفر على الرخام
بينما يواصل محمد سعيد، صاحب الـ61 عامًا، الحفر على الرخام بحرفية شديدة باستخدام الأزميل والشاكوش، حكى لـ«الوطن»، أنه بدأ عِشرته مع هذه المهنة وهو في العام الـ16 من عمره، حينما كان طالبًا بالصف الأول الثانوي، بعدما تعلم فنونها على يد خاله الذي توارث المحل عن خواجة يوناني عام 1952.
«اتعلمت المهنة في حوالي 5 ولا 6 سنين، لأن فيها فنيات كتير، وأول حاجة تعلمتها هي الخط ورسم الحروف»، بحسب «عم محمد»، الذي تعود أصوله إلى محافظة البحيرة حيث مدينة دمنهور، لكنه يعيش الآن في منطقة القلعة بمحافظة القاهرة، وأنه على الرغم من تخرجه في كلية التربية وعمله مُدرسًا لمادة الكيمياء للمرحلة الثانوية، إلا أنه واظب طوال السنوات الماضية على عمله في حفر الرخام، حتى تفرَّغ له تمامًا منذ 8 أشهر بعدما أُحيل للمعاش.
«عم محمد»: «بلاقي نفسي في الشغل ده»
على الرغم من أن هذا العمل يتطلب من «عم محمد» الوقوف على قدميه لساعات طويلة يشكل خلالها الحروف والكلمات بكل دقة، إلا أنه يستمتع بكل هذا ولا يشعر بأي تعب، بل في كل مرة بعد انتهاءه من عمله ينتظر بشوق انطواء الليل وحلول الصباح ليعود للأزميل والشاكوش ويبدأ في الاختلاء بنفسه بعيدًا عن كل ما يحويه العالم من ضوضاء: «بلاقي نفسي في الشغل ده، بحس إني بعمل إنجاز وبسيب فيه بصمتي»، وأنه خلال الـ4 عقود ونصف الماضية أنتج الكثير من لوحات الرخام التي تم وضعها على واجهات الفلل والمحال التجارية والأسواق وأيضًا الأنصبة التذكارية والمدافن.
«دلوقتي الصنايعية بدأوا يستخدموا صاروخ وشينيور في الحفر على الرخام لأنها بتخليهم ينجزوا في الشغل، بس أنا مبحبش استخدمها ولسة شغال بالأزميل والشاكوش لأنهم بيخلوني أعرف اظبط زوايا الحرف وانحناءاته بالكامل»، بحسب «محمد»، وأن مراحل الحفر على قطعة الرخام تبدأ بكتابة الحروف بخط مرسوم بالحبر الشيني، ومن ثم نحتها بالأزميل والشاكوش، وأن القطعة الواحدة تستغرق وقتًا من ساعة ونصف إلى ساعتين.