عبادة مهجورة يجهلها الكثيرون، على الرغم من فضلها وثوابها العظيم، التي تفوق الصدقة والصيام، أوصى بها النبي محمد عباده، لكونها من أفضل العبادات التي يحرص عليها المسلمون للتقرب من الله عز وجل، وهي الإصلاح بين الناس.
عبادة مهجورة ثوابها أفضل من الصدقة والصيام.. ماهي؟
والإصلاح بين الناس واحدا من أحب الأعمال إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فهي ذات فضل وثواب عظيم، إلا أن الكثير من الأشخاص يتجاهلون ذلك الأثر لها، وقد أوردت دار الإفتاء المصرية العديد من الأحاديث حول فضل الإصلاح بين المتخاصمين، إذ يسعى المرء إلى الإصلاح بين المتخاصمين والغاضبين، بإزالة سوء الفهم والتخفيف من حدَّة الغضب، والنصح للمتجاوز في حقِّ غيره بالتَّراجُعِ عن هذا التَّجاوُز، وردِّ الحقوق لأصحابها أو العفوِ عنها من أصحابها.
وكان السعي بين المتخاصمين بالصُّلح من هَديِ رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فحين عَلِمَ أنَّ أهلَ «قُباء» اقتتلوا حتى تراموا بالحجارة، قال لأصحابه: «اذْهَبُوا بِنَا نُصْلِحُ بَيْنَهُمْ» رواه البخاري، وسأل أصحابه مرَّةً، فقال لهم: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ» قالوا: «بلى»، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «صَلَاحُ ذَاتِ البَيْنِ، فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ البَيْنِ هِيَ الحَالِقَةُ»، ورُوي عنه أنه قال: «هِيَ الحَالِقَةُ، لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ» رواه الترمذي؛ ففساد ذاتِ البَيْنِ مَهْلَكَةٌ للمجتمع تستأصل منه الدِّينَ، وإصلاح ذات البَيْنِ فيه قوة المجتمع واتحاده وعدم تفرُّقه.
وبيَّنَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أن الكذب مباح للإصلاح بين الناس؛ فقال: «لَيْسَ الكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ، فَيَنْمِي خَيْرًا، أَوْ يَقُولُ خَيْرًا» رواه البخاري، فيكذب المرء من أجل أن يزيل الشحناء والبغضاء من قلوب المتخاصمين، ويجمع بينهم في الخيرِ والمودَّةِ والتَّعاون.
فضل الإصلاح بين الناس في القرآن الكريم
وردت العديد من الآيات القرآنية في فضل الإصلاح بين الناس، لقد وصف الله تعالى الذين يتحدثون عن الإصلاح بين النَّاس بالخيرية، ووعدهم بالثَّواب والأجر العظيم إذا فعلوه ابتغاءَ مرضاةِ الله؛ في الكثير من المواضع قال تعالى: ﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [النساء: 114].
وقال أيضًا: ﴿فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ﴾ [الأنفال: 1].
وقال في شأن الإصلاح بين الزوجين؛ حفاظًا على الأسرة واستمرارًا للعشرة والمودَّةِ بين الزوجين: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا﴾ [النساء: 35].
وأباح الله سبحانه وتعالى للمرأة -إن شاءتْ- أن تسلك سبيل الصلح مع زوجها بالتَّنازل له عن بعض حقوقها؛ استرضاءً له حتى تستمر العلاقة بينهما؛ فقال جلَّ شأنه: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) [النساء: 128].