كثيرًا ما نرى صورًا تجمع كتبًا متراصة وبجانبها فنجان قهوة في إشارة إلى الارتباط بين عادة القراءة وتناول القهوة، بل وبات الآن الطريق والاختيار الأول لمن يريد إضفاء صفة الثقافة على نفسه عبر منصات التواصل الاجتماعي والظهور في ثوب الشخص عميق الفكر واسع الأفق، أن يظهر الشخص يحتسي القهوة وفي إحدى يديه كتاب، ما يطرح سؤالًا عن سبب ربط القراءة أو سمة الثقافة وتناول القهوة.
الربط بين الثقافة وتناول القهوة
تعود بداية الربط بين الثقافة وتناول القهوة إلى القرن الـ14؛ حينما كانت المقاهي مكانًا لتجمُّع الرموز الوطنية والثقافية، والذين كانوا أثناء جلوسهم للحديث أو تصفح الكتب والجرائد يواظبون على تناول القهوة، ما خلق ترابطًا في أذهان كثيرين بين تناول القهوة والشخصية المثقفة، للدرجة التي دفعت وزارة الثقافة في إحدى الدول الأوروبية أن تختار مقهى معينًا ليكون مقرًا لها.
وفي مصر، وخلال وقت من الأوقات، ظهرت عدة مقاهي تدعو إلى نشر ودعم الثقافة من خلال توفير الكتب والمجلات والجرائد اليومية، وكان يذهب إليها كثيرون من محبي القراءة يقضون ساعات كثيرة في تصفح هذه الأوراق الدِسمة الغنية بالعلم والمعرفة، وكان المشروب المفضل لأغلبهم هو القهوة، ما ساعد أيضًا على تغذية الارتباط الشرطي لدى كثير من المصريين بين تناول القهوة وقراءة الكتب، بل وأصبح حصولهم على المعرفة متوقفًا على تناول فنجان قهوة أثناء القراءة، بحسب توضيح الدكتور وليد هندي، استشاري الصحة النفسية.
دور السينما المصرية
كما لعبت السينما المصرية دورًا كبيرًا في تعزيز هذا الارتباط في أذهان المشاهدين من خلال تقديم نماذج ثابتة عن بعض الشخصيات، من بينهم المثقف الواعي تلك الشخصية التي جسدها شخصٌ يجلس منعزلًا على إحدى المقاهي أو في شُرفة منزله يقرأ كتابًا ويرتشف من فنجان قهوة قابع بجواره: «دايمًا السينما كانت بتظهر الشخصيات المثقفة زي نجيب محفوظ وأنيس منصور، وهما قاعدين على مقهى بيشربوا قهوة وبيقروا الجرايد والمجلات، وده كان سبب في ظهور متلازمة بين الأديب أو المثقف وتناول القهوة».
وبطبيعة الحال، كان لظهور منصات الـ«سوشيال ميديا» أثرًا كبيرًا في تعزيز هذا الترابط بين قراءة الكتب وتناول القهوة، وبات اكتساب سمة الثقافة والوعي لدى كثيرين لا يحتاج منهم إلا نشر عدة صور تتضمن كتابًا وفنجان قهوة بجواره: «كمان الناس اللي بتحب المظهرية أو عندنا جنون العظمة، تلاقيهم يحبوا ينزلوا صور وهما حاطين رجل على رجل وماسكين سيجارة وقدامهم كتاب لمؤلف أجنبي وجنبه فنجان قهوة».
«هندي»: إنك تبقى مثقف ملهوش علاقة باللي أنت بتشربه
ومن ضمن الأسباب التي تدفع البعض للربط بين القراءة وتناول القهوة هو اقتناعهم أن القراءة تحتاج إلى التركيز الشديد والذهن الحاضر، وهو ما يوفره له تناول القهوة والحصول على نسبة عالية من الكافيين، إلى جانب أيضًا رغبة آخرين في صنع حاجز نفسي لهم لا يتمكن الآخرون من تجاوزه أو القرب من خصوصيتهم؛ باعتبارهم أشخاص مثقفون لهم فكر خاص متفرد: «إنك تبقى مثقف ملهوش علاقة باللي أنت بتشربه، اللي عايز يبقى مثقف يقرا كتير ويطبق اللي بيقراه في حياته.. متظلموش القهوة معاكم، لو هتحبوها حبوها لأنها تستاهل الحب مش علشان تخليكم مثقفين»، وفقًا لـ«هندي».